الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1406
المالكية – قالوا: اختلف علماؤهم في أنكحة أهل الكتاب التي تقع بينهم مستوفية للشرائط التي عند المسلمين، فقال بعضهم: إنها فاسدة، لأنه يشترط لصحتها الإسلام، فمتى كان الزوجان كافرين كان عقد زواجهما فاسداً ولو استكمل شروط الصحة من شهود. وولي. وصيغة إيجاب وقبول. ومهر. وخلو من الموانع، وهذا هو المشهور، وقال بعضهم: إذا استكملت شرائط الصحة تكون صحيحة في نظر الشريعة الإسلامية أيضاً، أما كون إسلام الزوج شرطاً في صحة العقد فمحله إذا كانت الزوجة مسلمة، أما غير المسلمة فلا يشترط فيها إسلام الزوج وهذا هو الظاهر، وعلى هذا لا يكون في هذه المسألة خلاف بين الأئمة، لأن الحنفية. والشافعية. والحنابلة يحكمون بصحة عقودهم التي وافقت عقودنا.
ولكن الحنفية قد نقلوا عن المالكية القول الأول، واحتجوا عليهم بقوله تعالى: “وامرأته حمالة الحطب” لأنه لو لم تكن الزوجية صحيحة بين أبي لهب وبين حمالة الحطب لما أخبر اللّه عنها بكونها امرأته، فإن امرأة الرجل في العرف واللغة زوجه، واستدلوا أيضاً بحديث” خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح” أما الدليل الأول فإنه يكفي في إثبات هذا الفرع، وإذا كان القول الصحيح عند المالكية موافقاً لما عليه الأئمة الآخرون. فلا خصومة تستدعي الرد عليها. وأما الدليل الثاني فهو منقوض، وذلك لأنك قد عرفت وجهه، وهو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر بأن نكاح أجداده صحيح ليس بسفاح – مع كونهم مشركين – لأنه كان موافقاً لقواعد الإسلام، وإلا كان من سفاح الجاهلية، ووجه نقضه أن أجداد النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا مسلمين لا مشركين لأنهم كانوا يعبدون اللّه على شريعة إبراهيم، وليس نقل هذا القول مقصوراً على الرافضة فقط، كما نقله بعض الفقهاء عن أبي حيان في تفسير قوله تعالى: وتقلبك في الساجدين
وعلى فرض نقله عنهم وحدهم فإنه لا يضر في الموضوع، لأنهم نقلوا مسألة تاريخية يؤيدها العقل والمنطق السليم، على أن هذا القول منقول عن كثير من المؤرخين وشراح الحديث والمفسرين عند قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه
فإنهم قالوا: إنه عمه لأن أجداد النبيّ جميعهم موحدون نعم نقل عن بعضهم أنه تأثر ببعض عادلت قومه ولكن في غير التوحيد، وسبب ذلك ضياع شريعة إبراهيم من بينهم ولو أنها وجدت لاستمسكو بها جميعاً أصولاً وفروعاً.
ويدل لذلك ما ورد من أن نور النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان ينتقل في الأصلاب والأرحام الطاهرة حتى وصل إلى عبد اللّه وآمنة. وقد نص اللّه تعالى على أن المشرك نجس. قال اللّه تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
. فكيف ينتقل نور النبوة في الأصلاب التي حكم اللّه بأنها نجسة كنجاسة الخنزير؟ أظن هذا بعيداً كل البعد.
(يتبع…)
(تابع… 2): – أنكحة غير المسلمين، سواء كانوا كتابيين، كاليهود، والنصارى، أو غير… …