پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1400

أما إذا وقع النكاح بينهم فاسداً فإن ذلك يكون على أنواع: منها أن يقع بغير شهود، فإذا تزوج الكتابي كتابية بغير شهود، أو الوثني تزوج بغير شهود فلا يخلو إما أن يكون جائزاً في شريعتهم أو لا، فإن كان جائزاً فإنهم عليه حتى إذا أسلما بقيا على نكاحهما الواقع بغير شهود، وإذا لم يسلما وترافعا إلى قاضي المسلمين أو ترافع أحدهما فإنه يقرهما عليه ولا يفرق بينهم، أما إذا كان لا يجوز في ديانتهم فإنهما لا يقران عليه عند المسلمين أيضاً، ومنها أن يتزوج كتابي كتابية وهي في عدة الغير، فإن كانت في عدة مسلم بأن مات عنها زوجها المسلم أو طلقها وهي في عدته، فإن النكاح يقع فاسداً بلا خلاف، ويفرق بينهما، ولو كان ذلك جائزاً في دينهم ويتعرض لهم في ذلك وإن لم يسلما، فلا يلزم في التفرق بينهما أن يترافعا إلى القاضي، أو يترافع أحدهما، إذ لا يتصور في هذه الحالة أن يترافعا، ومثل ذلك ما إذا تزوج ذمي مسلمة فإن التفريق بينهما لا يحتاج إلى مرافعة وطلب أصلاً أما إذا كانت العدة في عدة غير مسلم سواء كان موافقاً لها في دينها أو لا، وكان زواج المعتدة جائزاً في دينهم فإن فيه خلافاً، فأبو حنيفة يقول: إنهما يقران عليه قبل الإسلام وبعده، وإذا ترافعا. أو ترافع أحدهما إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما، وأما صاحباه فإنهما يقولان: إنهما لا يقران عليه ما دامت المرأة في العدة، بمعنى أنه يفرق بينهما إذا كانت العدة قائمة، أما إذا تزوجها في العدة، ثم انقضت عدتها وترافعا إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما باتفاق. والصحيح قول أبي حنيفة والفرق بين عدة الكافر أن العدة تشتمل على حقين: حق الشرع، وحق الزوج. والزوجان الكتابيان ونحوهما لا يخاطبان بحق الشرع. ولا وجه إلى إيجاب العدة حقاً للزوج لأن الزوج لا يعتقد بإجابها. كما هو المفروض أما إذا كانت عدة مسلم فإنها تجب على الكتابية حقاً للمسلم لأنه يعتدها.

ومن هنا كان الصحيح الذي لا شك فيه أن المسلم إذا تزوج كتابية تحت زوج كتابي وفارقته لا يصح له أن يعقد عليها قبل انقضاء العدة، خلافاً لقول بعضهم: إن العقد عليها يصح، ولكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء بالحيض. لأن العدة كما عرفت فيها حق اللّه تعالى ويخاطب به من يعتقده. والمسلم يعتقده فيلزمه العمل به. هذا، وإذا فرضنا أن الكتابيين وغيرهم من أرباب الديانات الأخرى لا عدة عندهم، ففارقها زوجها مثلاً بموت، أو طلاق وتزوجها آخر بعد ذلك بأسبوع مثلاً، ثم جاءت بولد قبل مضي ستة أشهر من تاريخ زواجها بالثاني، وهي أقل مدة الحمل، فهل يكون نسب الولد من الزوج الأول أو لا؟ الذي قالوه: أن النسب لا يثبت من الأول، ولكن بعض المحققين قال: إنه يثبت لأنه لا يلزم من صحة العقد على الثاني عدم ثبوت النسب من الأول إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأن معنى هذا أنه ابن الأول بلا كلام، وإن كان عقد الثاني صحيحاً قي ديانتهم، ومنها أن يتزوج محرماً له، كأن يعقد على بنته، أو أخته، كما هو في شريعة المجوس أو يتزوج عمته، أو يجمع بين الأختين كما هو في شريعة اليهود، أو نحو ذلك، فإذا وقع ذلك فإنها تعتبر صحيحة ما داموا على ديانتهم، فيتركون عليها ولا يتعرض لهم أما إذا أسلما. أو ترافعا إلى القاضي لينظر في صحة هذا النكاح، فإنه يجب أن يفرق بينهما، وإن ترافع إليه أحدهما فقيل: يفرق. وقيل: لا.

والصحيح أنه لا يفرق إلا إذا ترافعا إليه معاً، وإذا تزوج اليهودي أختين في عقد واحد وفارق واحدة منهما وهو على دينه، ثم أسلما بقي عقد الثانية صحيحاً ولا يفرق بينهما باتفاق. ومنها أن يطلقها ثلاثاً، ثم يعود إليها بدون محلل، وفي هذه الحالة إذا أسلما أو ترافعا إلينا فإننا نقرهما عليه.