پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1369

(1) (الحنفية – قالوا: اختلفت الفتوى في مسألة سفر الزوج بزوجته، فأفتى بعضهم بأنه ليس له السفر بها مطلقاً، وعلل ذلك بمظنة الضرر الذي يلحق المرأة حال غربتها وبعدها عن أهلها وعشيرتها، وأفتى بعضهم بجواز السفر بها إذا كان مأموناً عليها. وصاحب هذه الفتوى أيدها بكونها ظاهرة الرواية.

وبعضهم قال: أن الأحوال قد تختلف اختلافاً بيناً، فتارة يترتب على السفر بالمرأة إيذاء لها، وتارة يكون السفر مع زوجها لازماً لضروريات الحياة، كما إذا كان موظفاً في جهة بعيدة عن وطنها. أو كان له ملك بعيد لا يثمر إلا بمباشرته. أو نحو ذلك، فإنها إذا لم تسافر معه يتضرر هو لا هي، ولهذا ينبغي أن يترك تقدير ذلك للمفتي، فهو يفتي بحسب تطور الأحوال ومناسبتها.

وإنني أرى الخلاف في ذلك لفظاً، لأن الذي قال: ليس له السفر بها عللّه بالمضرة التي تلحقها، والذي قال: إنه يجوز السفر بها شرطه بأن يكون الرجل مأموناً عليها، يعرف حقوق الزوجية وواجباتها والدفاع عن عرضه، وليس شريراً. ولا فاسد الأخلاق. ولا فاسقاً، وإلا لم يكن مأموناً عليها، ومتى كان كذلك فأي ضرر يلحقها؟ فلا فرق حينئذ بين القولين، ومن قال: إن الأمر موكول للمفتي. أو القاضي، فإنه رأى أن تقدير الحالتين منوط به، فإن وجده غير مأمون ويلحقها ضرر لا يجوز أن يفتي له بالسفر، وإلا جاز، على أن وجود المرأة بين أهلها وعشيرتها لا يصلح مقياساً عاماً، لأننا إذا فرضنا أن المرأة ليس لها أهل وعشيرة في بلدها التي ولدت بها، ولها أهل وعشيرة في بلد بعيدة عنها، كما إذا كانت مولد في مصر وتوفي أبوها، ولها عشيرة في أصوان، فهل يقال: إنه ينبغي أن يعاشرها بين أهلها وعشيرتها في أصوان؟! وذلك كثير، نعم قد قال: إذا كانت في مصر ونقلت إلى قرية فإنها تتضرر بالنقل، لما يترتب على ذلك من اختلاف معيشتها، فتعيش منغصة زمناً طويلاً، لأن الانتقال من المظاهر الجميلة إلى غيرها يشبه أن يكون حبساً، فلذا قالوا: إنه لا ينقلها من المصر إلى قرية إلا إذا كانت ضاحية من ضواحي المصر، ومعنى هذا أنه إذا نقلها إلى بلدة بها حضارة، كالمراكز، المديريات، فلا وجه للاعتراض، على أن الصواب الإفتاء بالسفر مطلقاً من المصر إلى القرية، وبالعكس، ما دام في ذلك مصلحة، وما الزوج مأموناً عليها، والجهة المنقولة إليها مستتب فيها الأمن، أما إذا كان الزوج فاسقاً لا يؤمن على عرضه. أو كان شريراً يؤذيها بيده ولسانه. أو يضيق عليها في الإنفاق، أو نحو ذلك، فإنه لا يصح أن يفتى له بسفرها وليس من المصلحة اتباع الهوى والشهوة، وترك المصلحة الحقيقية التي يترتب عليها سعادة الزوجين والذرية.