الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1322
أما الأمر الرابع الذي يتأكد به جميع الصداق، فهو ما إذا طلق امرأته طلاقاً بائناً بعد الدخول بها، ثم رجع إليها ثانياً وهي في عدتها منه بمهر جديد، فإن المهر المسمى لها في العقد الثاني يثبت جميعه بمجرد العقد بدون دخول، أو خلوة، لأن وجودها في العدة قائم مقام الخلوة وزيادة، وقد اعترض بعضهم على الزيادة بأنها استحقت الصداق جميعه بناء على الوطء الأول، والعدة أثر من آثاره، فكأنه دخل بها، فلم يترتب استحقاقها الصداق كله على مجرد العقد الثاني، بل على الوطء الأول، ويجاب على هذا بأن هذه الصورة لا وطء فيها على كل حال. وسواء ترتب كل المهر على المهر الحاصل في عدتها منه، أو على الوطء الأول قبل طلاقها. فإنه ينبغي أن تبين هذه الصورة، ويلفت النظر لها، فلا يصح إهمالها لما فيها من اشتباه واضح، فلا معنى للاعتراض على عدها. وزاد بعضهم سبباً خامساً يتقرر به كل المهر، وهو أن يزيل بكارتها بأصبع ونحوه، ولكن هذا ليس بشيء، وذلك لأنه إذا زال بكارتها بأصبعه في خلوة تأكد لها المهر كله بالخلوة الصحيحة، وإلا فلا شيء عليه، ولهذا قالوا: إذا دفع امرأته في غير خلوة دفعة شديدة فأزال بكارتها، ثم طلقها قبل الدخول لا يلزم إلا بنصف المهر، ولا يلزم بتعويض عن إزالة البكارة، أما إذا لم تكن امرأته فدفعها دفعة شديدة أزال بكارتها، تزوجها وكان لها عليه مهر مثلها بسب إزالة البكارة، والمهر الذي سماه لها، فتحصل أن الأسباب التي يتأكد بها الصداق عند الحنفية ينبغي عدها أربعاً لا خمساً، مع مراعاة أن كل المهر في الصورة الرابعة إما مرتب على العقد الثاني في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها، لأنه باقٍ ببقاء أثره، وهي العدة.
فهذه الأمور يتأكد المهر بواحد منها، ولا يحتمل السقوط بعد ذلك إلا بالإبراء، فلو جاءت الفرقة من قبلها بأن ارتدت. أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلا بها ابن زوجها أو قبلته بشهوة، التي يتأكد بها الصداق، فإن فعلت شيئاً من ذلك فإن مهرها جميعه يسقط لمجيء الفرقة من قبلها.
الشافعية – قالوا: يتأكد المهر، ولا يحتمل السقوط بأمرين:
أحدهما: الوطء، وهو إيلاج الحشفة، أو قدرها في قبل المرأة، أو دبرها، وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها في العادة، ويصدق بيمينه إذا نفى الوطء، ولا يشترط الخلو من الموانع الشرعية، فإذا وطئها وهي حائض، أو نفساء، أو كان أحدهما صائماً، أو غير ذلك، فإن المهر جميعه يتأكد بذلك.
ثانيهما: موت أحدهما قبل الوطء، سواء كان الموت طبيعياً، أو قتلت الزوجة الحرة نفسها. أو قتلها زوجها، أما إذا قتلت هي زوجها فإن مهرها يسقط. وكذا إذا كانت أمة وقتلت نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول، أو قتلت هي، أو سيدها زوجها، فإن مهرها يسقط في هذه الأحوال فلا يتقرر المهر إلا بهذين، فلا يتقرر باستدخال ماء الزوج إلى داخل الفرج بغير الذكر، كما إذا وضعته في أنبوبة فأفرغته في فرجها، كما لا يتقرر بالخلوة الصحيحة والمباشرة في غير الفرج، حتى لو طلقها بعد ذلك، فلا يجب إلا نصف المهر.
الحنابلة – قالوا: يتأكد المهر بأربعة أمور:
أحدها: الوطء في قبل، أو دبر، ولو كان ممنوعاً، بأن وقع في حيض، أو نفاس، أو غيرهما.
ثانيها: الخلوة. ثالثها: اللمس بشهوة، والنظر إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها ولو بحضرة الناس.
رابعها: موت أحد الزوجين، فإذا كان بالزوج عيب يوجب الفسخ ومات أحدهما قبل الفسخ كان لها الصداق كاملاً، لأنه يتقرر بالموت، ولا يرجع به الزوج على أحد. لأن سبب الرجوع الفسخ وهو لم يحصل، أما إذا فسخ قبل الموت، وقبل الدخول، فلا شيء لها. فزاد الحنابلة اللمس بشهوة، والقبلة بحضور الناس. فجعلوا ذلك من الأسباب التي تؤكد المهر وترفع احتمال سقوطه)
—————————
وأما القسم الثاني، وهو ما يجب بالوطء، فقد عرفت أن الوطء تارة يكون بعقد صحيح وتارة يكون بعقد فاسد، ويترتب على وطء العقد الصحيح تأكد المهر كله، أما الوطء بالعقد الفاسد فإن في المهر الذي يجب به تفصيل المذاهب (1).
—————————–