الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1305
(1) (أدخل الشافعية في المهر ما وجب للرجل الذي يفوت عليه بضع امرأته. كما إذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه مثلاً فإنها تحرم عليه. ويتقرر للصغيرة مهر المثل وللزوج نصف مهر المثل. ومثله السيد الذي أذن أمته أن تختلع من زوجها بدون أن يعين لها قدراً تختلع عليه ففعلت. فإنه يتقرر للسيد عند جاريته مهر مثلها، يأخذه من كسبها، إن كان لها كسب، وإلا فيصبح ديناً في ذمتها، يأخذه منها بعد العتق واليسار، وذلك لأن المال الذي اختلعت عليه ملك لسيدها، فإذا أطلق لها الإذن، واختلعت بأكثر من مهر المثل طولبن بالزيادة بعد العتق واليسار أيضاً، وكذلك إذا شهد شاهدان على رجل بأنه طلق امرأته طلاقاً بائناً، أو رجعياً، وانقضت العدة حتى بانت، وفرق القاضي بينهما ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما، فإنه يجب عليهما للزوج مهر المثل لأنهما بشهادتهما الكاذبة فوتا عليه استحقاقه في البضع ظاهراً بحكم القاضي، ففي هذه الصورة يجب للزوج مهر المثل، سواء كانت الشهادة قبل الدخول. أو بعده، بخلاف تفويتها عليه في صورة الرضاع، فليس له فيها إلا نصف مهر المثل، يرجع به على المرضعة وذلك لأن فرقة الرضاع حقيقة، ظاهراً وباطناً، فهو لم يدخل بها حتماً، فله النصف. أما الفرقة في صورة الشهادة الكاذبة. فإنها في الظاهر فقط. إذ له أن يطأ امرأته متى كان متأكداً من كذب الشهود. فكأنه دخل بها فله كل مهر المثل.
فإن قلت: إن مقتضى ذلك أن لا يثبت له شيء في هذه الصورة لأنه لم يضع عليه حقه في البضع باطناً. قلت: إن حكم القاضي جعل للمرأة الحق في الانفصال منه والتزوج بغيره. ولها الحق في ألا تمكنه، فلا يستطيع أن يعاشرها معاشرة كاملة. فلذا كان له الحق في كل مهر المثل تعويضاً. اعتباراً بأنه دخل بها. ولو كانت الفرقة قبل الدخول.
ومن أجل ذلك عرف الشافعية المهر بأنه ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهراً عن الزوج أو خلع أو شهادة.
فما وجب للرجل على الرجل. أو على المرأة يسمى مهراً عندهم، أما غيرهم فقد خص المهر بما يعطى للمرأة في مقابلة الاستمتاع بها بالقوة أو الفعل فيشمل ما وجب بمجرد العقد الصحيح. وما وجب بالوطء، سواء كان بعقد فاسد أو شبهة أو إكراه).
—————————
4 شروط المهر
-وشرط في المهر أمور:
أحدها: أن يكون مالاً متقوماً له قيمة، فلا يصح باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ولا حد لأكثره، كما لا حد لأقله (1)، فلو تزوجها بصداق يسير ولو ملء كفه طعاماً من قمح أو من دقيق، فإنه يصح، ولكن يسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم، لما رواه جابر مرفوعاً “لو أعطى رجل امرأة صداقاً، ملء يده طعاماً، كانت له حلالاً”، وظاهر هذا أن الصداق ليس مقصوداً لذاته في الزواج، وإنما هو مقصود للإشارة إلى أن الرجل ملزم بالانفاق على المرأة من أول الأمر.
ثانيها: أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح الصداق بالخمر. والخنزير، والدم. والميتة لأن هذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كالخمر والخنزير وشحوم الميتة وجلودها والدم المتجمد عند من يأكله، فإن كل هذه الأشياء لا يصح للمسلمين ملكها، فلا يمكن إيجابها عليهم في الصداق، فإذا سمى لها خمراً أو خنزيراً أو غير ذلك مما لا يصح للمسلمين ملكها، بطلت التسمية، وصح العقد (2)، وثبت للمرأة مهر المثل، فإذا سمى لها صداقاً، بعضه مال وبعضه ليس بمال، أو بعضه طاهر وبعضه نجس، أو سمى لها صداقاً نجساً، وأشار إلى طاهر. أو العكس، أو أجمع لها بين المهر والبيع في عقد واحد، فإن في كل ذلك تفصيل المذاهب (3).