الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1271
وهل العقل معتبر في الكفاءة أو لا؟ قالوا: لا نص فيه عن المتقدمين، أما المتأخرون فمختلفون فيه، والصواب أن المجنون لا يكون كفأً للعاقلة، وللولي حق الاعتراض والفسخ، لأن الجنون يترتب عليه من الفساد والشر ما لا يترتب على غيره، بل قد يتعير الناس بالمجنون أكثر مما يتعيرون بالفقير.
أما قبح المنظر فليس بعيب، فإذا كانت جميلة وهو قبيح المنظر فليس لها ولا لوليها حق المطالبة بالفسخ.
وأما الجواب عن الأخير فهو أن الكفاءة معتبرة في جانب الرجل لا في جانب المرأة، فللرجل أن يتزوج من يشاء ولو أمة أو خادمة، لأن الناس لا يتعيرون بافتراش الأمة والمرأة الدنيئة، وقد جرى العرف على ذلك في كل زمان ومكان، نعم يعتبر الكفاءة في المرأة بالنسبة للغلام الصغير إذا زوجه والده ممن هي دونه، فإن له حق الفسخ بعد البلوغ كما تقدم.
المالكية – قالوا: الكفاءة في النكاح المماثلة في أمرين: أحدهما التدين بأن يكون مسلماً غير فاسق، ثانيهما السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج، كالبرص، والجنون، والجذام، والثاني حق المرأة لا الولي.
أما الكفاءة في المال، والحرية. والنسب، والحرفة فهي معتبرة عندهم، فإذا تزوج الدنيء – كالمسلماني – شريفة فإنه يصح، وإذا تزوج الحمال أو الزبال، شريفة أو ذات جاه فإنه يصح، وهل العبد كفء للحرة؟ قولان مرجحان، وبعضهم يفصل فيقول: إن كان الرقيق أبيض يكون كفأً، وإن كان أسود فلا لأنه يتعير به.
ثم إن الكفاءة تعتبر في اليتيمة التي زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن تزوج من كفء، فلا يصح زواجها من فاسق شريب، أو زانٍ، أو نحوهما، ولا من زوج به عيوب منفرة، بل لا بد من أن يكون مساوياً لها في أوصاف الكمال، وأن يكون الصداق مهر مثلها. قالوا: فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن لم يدخل بها الزوج، أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن، أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ، وهذا هو المشهور. وقيل: يفسخ مطلقاً.
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه، أما الرشيدة المالكة أمر نفسها فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه، فلها إسقاطه متى رضيت بالزوج، على أنهم قالوا: إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما لم يبطله شيء آخر.