پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1265

رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية، فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة، فلو جعل أمر زواجها منوطاً بالولي كان حجراً بدون موجب، خصوصاً في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقاً وهي بكر رشيدة، فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضاراً في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق، ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب، وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم، بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة، ويترتب عليه مأساة لا حد لها، وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء. فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها. وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد. ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء. فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون. فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها، بل يضرها بفقد عطفهم عليها.

عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان اللّه عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقاً وأنها صالحة لكل زمان ومكان. فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة. ولا يتأذى بها أحد. فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر. فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء اللّه ببحث في المسائل العامة. إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال. ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى.

4 خلاصة مباحث الولي

-(1) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلاً، فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها.

وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكراً أو ثيباً فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء، ثم إن كان كفأً فذاك، وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح.

(2) اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين: ولي مجبر، وولي غير مجبر. واتفق الشافعية، والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد، وخالف المالكية فقالوا: الولي المجبر هو الأب فقط. واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب. بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب، وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبراً عند الحاجة.

(3) اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها، ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى.