الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1222
ثانيها: أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء عكس المعنى اللغوي ويدل لذلك كثرة وروده بمعنى العقد في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: حتى تنكح زوجاً غيره
: وذلك هو الأرجح عند الشافعية والمالكية.
ثالثها: أنه مشترك لفظي بين العقد والوطء، وقد يكون هذا أظهر الأقوال الثلاثة لأن الشرع تارة يستعمله في العقد وتارة يستعمله في الوطء بدون أن يلاحظ في الاستعمال هجر المعنى الأول وذلك يدل على أنه حقيقة فيهما. وأما المعنى الثالث للنكاح فهو المعنى الفقهي. وقد اختلفت فيه عبارات الفقهاء ولكنها كلها ترجع إلى معنى واحد وهو أن عقد النكاح وضعه الشارع ليرتب عليه انتفاع الزوج ببضع الزوجة وسائر بدنها من حيث التلذذ، فالزوج يملك بعقد النكاح هذا الانتفاع ويختص به ولا يملك المنفعة، والفرق بين ملك الانتفاع وملك المنفعة أن ملك المنفعة يستلزم أن ينتفع الزوج بكل ما يترتب على البضع من المنافع وليس كذلك فإن المتزوجة إذا نكحها شخص أخر بشبهة كأن اعتقد أنها زوجته فجامعها خطأ فإنه يكون عليه مهر المثل وهذا المهر تملكه هي لا الزوج فلو كان الزوج يملك المنافع لا ستحق المهر لأنه من منافع البضع، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب وإن اختلفت عباراتهم في نص التعريف كما هو موضح في أسفل الصحيفة (1).
هذا والمشهور في المذاهب (2) أن المعقود عليه هو الانتفاع بالمرأة دون الرجل كما ذكر، ولكن ستعرف من مبحث أحكام النكاح أنه يحرم الانصراف عن المرأة إذا ترتب عليه إضرار بها أو إفساد لأخلاقها وعدم إحصانها كما أنه يحرم على الرجل أن تتلذذ به أجنبية عنه فقواعد المذاهب تجعل الرجل مقصوراً على من تحل له كما تجعل المرأة مقصورة عليه، وتحتم على الرجل أن يعفها بقدر ما يستطيع كما تحتم عليها أن تطيعه فيما يأمرها به من استمتاع إلا لعذر صحيح.
وبعد فمن المعلوم أن العقد الذي يفيد الاختصاص بالاستمتاع وحله إنما هو العقد الشرعي الصحيح وهو لابد فيه من أن يكون مستكملاً للشرائط الآتية: كأن يكون على امرأة خالية من الموانع، فلا يصح العقد على الرجل ولا على الخنثى المشكل ولا على الوثنية ولا على محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة كما لا يصح العقد على ما ليس من جنس الإنسان كإنسانة الماء مثلاً فإنها كالبهائم.
ولابد أيضاً أن يكون العقد بإيجاب وقبول شرعيين وأن يكون بشهود سواء كانت عند العقد أو قبل الدخول على رأي بعض المذاهب، أما العقود المدنية أو الاستئجار لمدة معلومة أو نحو ذلك فإنها زنا يعاقب الشارع الإسلامي عليها.