پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1221

وبعد، فقد وفقني اللّه عز وجل إلى تأليف الجزء الرابع من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في الأحوال الشخصية، وقد توخيت فيه سهولة العبارة، وحسن الترتيب بقدر المستطاع. وما قصدت بهذا إلا أن أخرج للناس كتاباً فيما لهم وما عليهم من حقوق الأسرة وواجباتها. على نمط الأجزاء التي أخرجتها في الفقه الإسلامي من قبل، بل يزيد إيضاحاً وسهولة لينتفع به جمهور المسلمين في معرفة هذه الحقوق ويؤدوها كاملة مرضاة للّه عز وجل كي تنقطع من بينهم الخصومات التي يترتب عليها تمزيق الأسرة، وتقطيع صلات الأرحام، واستبدال المودة والرحمة بين الزوجة والأقرباء بالعداوة والبغضاء، فضلاً عما في العمل بهذه الحقوق من دفع غوائل الشهوات الضارة، والوقوف بها عند الحد الذي قدره اللّه تعالى، وأمرنا بالوقوف عنده في قوله تعالى: ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه

.

ومما لا ريب فيه أن صلاح الأسرة هو أساس المجتمع، وعليه تنبني سعادة الأمة، وتقوم عليه دعائم العمران. فإن كنت قد وفقت إلى ما قصدت في ذلك فهذا من فضل اللّه وحده الذي تمتد منه جميع الموجودات في وجودها وبقائها وحركتها وسكونها، وإن كانت الأخرى فما أنا إلا عبد ضعيف لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي القدير.

وقد كنت أظن أنه يمكنني أن أبلغ النهاية من جميع أبواب الفقه في أربعة أجزاء فحسب، ولكن رأيت أن يستلزم أمرين: الإيجاز في كثير من المواطن، وحذف بعض مباحث الفقه، وهذا يتنافى مع غرضي من الإيضاح والبيان من جهة، ويجعل الكتاب ناقصاً في مجموعه من جهة أخرى. فلم أجد بداً من أن أترك المسألة على طبيعتها، فاضطررت إلى وضع جزء خامس يشتمل على ما بقي من مباحث الفقه، وقد بقي من مباحثه الهامة: الحدود والوقف، والقضاء، والجهاد، إلى غير ذلك، مما ستطلع عليه فيه، وسأشرع في طبعه عقب الفراغ من طبع الجزء الرابع إن شاء اللّه تعالى.

المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

2 كتاب النكاح

3 تعريفه

-للنكاح معان ثلاثة: الأول المعنى اللغوي وهو الوطء والضم، يقال: تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض، ويطلق على العقد مجازاً لأنه سبب في الوطء، الثاني المعنى الأصولي ويقال له: الشرعي، وقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه حقيقة قي الوطء، مجاز في العقد كالمعنى اللغوي من كل وجه، فمتى ورد النكاح في الكتاب والسنة بدون قرينة يكون معناه الوطء كقوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف

فإن معناه في هذه الآية الوطء إذ النهي إنما يتصور عنه لا عن العقد في ذاته لأن مجرد العقد لا يترتب عليه غيره تنقطع بها صلات المودة والاحترام، وهذا هو رأي الحنفية على أنهم يقولون: إن النكاح في قوله تعالى: حتى تنكح زوجاً غيره

معناه العقد لا الوطء لأن إسناده للمرأة قرينة على ذلك، فإن الوطء فعل والمرأة لا تفعل لكن مفهوم الآية يفيد أن مجرد العقد يكفي في التحليل وليس كذلك لأن لسنة صريحة في أن التحليل لا بد فيه من الوطء فهذا المفهوم غير معتبر، يدل على ذلك ما صرح به في حديث العسلية بقوله صلى اللّه عليه وسلم: “حتى تذوقي عسليته” الخ.