الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص1151
فإذا ملك شخص غيره منفعة الدابة ليسافر أياماً معلومة بدون اجر أو جملة لينقل عليه جرته أو محراثه ليحرث له أرضه في زمن معين أو غير ذلك التمليك عارية ولا فرق بين أن يكون الوقت طويلاً أو كثيراً فيدخل في العريف تكليك المنفعة طول حياة المستعير ويقال له (العمري) بضم العين وسكون الميم وكذلك يدخل فيه وهو تمليك منفعته الخادم طول حياة المستعير ولا يدخل فيه حبس منفعة العين (الوقف) إلا على القول بأنه يصح ان يكون مؤقتاً. وعلى أنها اسم للشيء المستعار يقال لها (مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بلا عوض). ولكن يرد على التعريفين أنه يدخل فيهما ما ليس منهما في بعض الأحوال وهو إرث المنفعة ومثاله أن يستأجر شخص أرضاً أو داراً، أو أثاث منزل مدة معينة ثم يموت قبل أن يستوفي منفعتها ففي هذه الحالة تنقل المنفعة إلى الورثة بدون عوض منهم، وهنا ينطبق عليه تعريف العارية لأنه يملك منفعة بدون عوض أو مال بدون عوض مع أنه ليس بعارية.
والجواب أن العارية ليس لها عوض مطلقاً اما هذه الصورة فإن المستأجر المنوفي إنما أجرهم بعوض فهي في الحقيقة تكليك بعوض من المستأجر الأول وإن انقلت إلى الورثة بدون عوض منهم.
الحنفية – قالوا: العارية هي تمليك المنافع مجاناً وبعضهم يقول إنها إباحةلا تمليك وهو مردود من وجهتين:
الأول: أن العارية تنعقد بلفظ التمليك الشيء الذي استعاره لغيره إذا كان ذلك الشيء بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه على المتبرع.
فإن ملك دابة أو كتاباً أو ثياباً أو غيرها مما يحل الانتفاع به وكان أهلاً للتبرع فإنه يصح له أن يعيرها لغيره بان يبيح الانتفاع بها مع بقاء العين ليردها إليه ثانياً سواء حدد لها مدة ويقال لها العارية النقيدة أو ويقال لها المطلقة.
الحنابلة – قالوا: العارية معناها العين المعارة وهي المأخوذة من مالكها سواء حدد لها أو مالكها أو مالك منفعتها للانتفاع بها زمناً أو مطلاقً بلا عوض وتطلق العارية مجازاً، واغعارة هب إباحة نفع العين عوض من المستعير أو غيره.
والإباحة معناها رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكاً له فيصح له أن بنتفع به كما يجب).
——————————
3 حكم العارية وركنها وشرطها
-العارية في ذاتها من أعمال البر التي تقتضيا الإنسانية لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضاً فهي منودبة بحسب ذاتها.
وقد يعرض لها الوجوب كما إذا احتاج شخص من آخر مظلة في الصحراء وقت الحر الشديد توقفت عليها حياته أو إنقاذه من مرض فإنه يجب على صاحبها في هذه الحالة أن يعيرها إياه.
وقد يعرض لها الحرمة كما إذا كان عند شخص جارية أو خادمة تشتهى وطلب غعارتها منه شخص يختلي بها أو يتمكن من قضاء إربه منها فإنه في هذه الحالة لا يحل له أن يعيرها إياه.
وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى اللّه عليه وسلم استعار فرساً من أبي طلحة فركبه واستعار درعاً من صفوان بن أمية يوم حنين فقال له صفوان أغصب يامحمد في هذه الحالة أو عارية فقال له بل عارية مضمونة.
وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها على أنها داخلة في قوله تعالى: وتعاونوا على البر التقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
.
إذا لا شك أن سد حاجات الناس بعضاً بعضاً والإحسان إليهم من أنواع البر التي توثق بها الشروط وتنمو بها الألفة وتتأكد وذلك المودة ممدوح في نظر الشريعة الإسلامية كل المدح.