الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص1142
الشرط الثاني: أن يودعها عند الأجنبي بغير عذر. أما إذا أودعها لعذر فإنه لا يضمنها فإذا كانت في منزل وقد يقط بعض حيطانه وخاف عليها من السرقة ولم يستطع ردها لصاحبها لغيابه أو لسجنه فأودعها عند أمين غيرهفإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف. ومثل ذلك ما إذا وقع حريق في المنزل الذي هي فيه أو أراد الوديع السفر إلى جهة ولم يستطع ردها لصاحبها فإن له إيداعها عند أجنبي ولا ضمان عليه. ولكن لا بد من الشهود على العذر فإذا ادعى الوديع أنه أودعها لسقوط داره أو لسفره بدون أن تشهد البينة على ذلك فإنه لا يصدق ولا بد أن تكون البينة قد شاهدت نفس العذر فلا يكفي أن يقول للشهود: اشهدوا أنني أودعتها عند فلان لسقوط حيطان المنزل من غير أن يروا ذلك.
فإذا زال العذر وجب عليه أن يسترجعها فإذا لم يسترجعها وذاعت كان عليه ضمانها إلا إذا كان العذر السفر فإنه لا يجب عليه استرجاعها إلا إذا كان ناوياً العودة إلى البلدة التي سافر منها.
أما إذا نوى الارتحال ليقيم في بلدة أخرى ولا يعود ينو شيئاً ثم عاد بعد ذلك فإنه لا يجب عليه استرجاعها وإنما يستحب له ذلك ولا يجب على الوديع الثاني أن يردها إلى الأول إلا في الحالة الأولى وهي حالة ما إذا كان ينوي العودة أما في الحالة الثانية فإنه لا يجب عليه ردها إليه فإذا حصل تنازع في نية العودة فقال الوديع الأول: إنه كان ينوي العودة وقال الثاني: إنه ينوي عدم العودة فإنه ينظر إلى السفر فإن كان الغالب في مثله العودة فيقضي بها للوديع الأول وإن كان الغالب فيه عدم العودة
أو استوى الأمران فيقتضي بها للوديع الثاني ويكون ضمانها على الثاني ويبرأ الأول منها.
ومن الأمور التي توجب ضمان الوديعة أن يرسلها الوديع إلى صاحبها بدون إذنه فتضيع من الرسول أو تتلف فإنه يضمنها. وكذا إذا ذهب الوديع بنفسه بها صاحبها فهلكت في الطريق أو تلفت فإنه يضمنها. ومثل ذلك الوديع في ذلك الوصي على مال فإذا أو صى شخص آخر على ماله ثم مالت صاحب المال فبعث المال للورثة بدون إذنهم أو سافر به إليهم فضاع أو تلف فإنه يكون ضامناً له على الراجح. وبعضهم يقول: لا يضمن وبعضهم يقول: إن سافر بها في وقت مخوف ضمن وإلا فلا.
ومنها: أن تكون الوديعة دابة ونحوها فيطلق عليها الوديع الفحل بقصد إحبالها بدون إذن صاحبها فتموت بسبب وطء الحمل أو تحبل ثم تموت بسبب الولادة فإن الوديع يضمنها. أما إذا أذنه صاحبها بذلك فلا ضمان عليه.
أما الراعي الذي يرعى بقرة ونحوها فإنه إذا طلب فحلاً على أنثى من الحيوانات التي يرعاها لغرض إحبالها فماتت فإنه لا يضمنها وإذا كان المتعارف أن الرعاة يعملون مثل ذلك حتى لا تفوت مدة حمل الحيوان فتضيع ثمرته في هذه الحالة يكون مأذوناً حكماً.
أما إذا كان العرف على خلاف ذلك أو اشترط صاحبها عدم ذلك فإنه يضمن وهذا القول هو الظاهر:
ومنها: أن ينكر الوديعة رأساً كأن يقول لصاحبها: لم تودعني شيئاً هذه المسألة أربع صور:
الصورة الأولى: أن يستمر على إنكاره ولا بينة لصاحبها عليه وفي هذه الحالة لا يضمن الوديع شيئاً.