الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص1134
وعلى هذا فإن الثياب التي يخلعها صاحبها في الحمام لا يلزم صاحب الحمام بها إلا إذا قال له احفظ ثيابي هذه وسلمها إياه أو أعطاه عليها أجرة؛ فإذا لم يفعل ذلك وضاعت فإن الحمامي لا يضمنها. ومثل الحمام في ذلك الخان (الوكالة) المعروفة المعدة لحفظ الحيوانات ونحوها. فإذا أودع شخص حماره أو فرسه في الوكالة فإن أعطى لصاحبها أجرة أو سلمها له فضاعت فإنه يضمنها إذا قصر في حراستها.
أما إذا قام بواجب الحراسة بما يقتضيه العرف فخرجت الدابة من غير أن يشعر فإنه لا يضمنها ويصدق بيمينه في ذلك.
أما إذا وضع فرسه في الوكالة بدون أجر وبدون أن يسلمها إلى صاحب الوكالة فإنها تضيع على صاحبها بدون ضمان.
الحنفية – قالوا: يشترط للوديعة شروط. منها ما يتعلق بالصيغة؛ وهي الإيجاب والقبول ويشترط في الإيجاب أن يكون بالقول أو بالفعل، والقول إما أن يكون صريحاً أو كناية، فالقول الصريح كأن يقول صاحب لوديعة: أودعتك هذا المال؛ والكناية هي ما قابل الصريح بحيث يكون اللفظ محتملاً لمعنى الإيداع لمعنى الإيداع وغيره. مثاله: أن يقول شخص لآخر: اعطني هذه الدابة مثلاً فيقول أعطيتك؛ فإن كلمة أعطني الهبة، وتحتمل الوديعة؛ والوديعة أقل من الهبة طبعاً، فيكون هو المهنى المتقن الذي يمكن اعتباره.
وأما الإيجاب بالفعل فهو أن يضع شخص ثوباً ونحوه بين يدي رجل آخر ولم يقل له شيئاً فإن لك يكون إيداعاً. وهذا النوع كان كثير الوقوع بين طلبة الأزهر فإن الطالب كان يأتي بمتاعه ويضيعه امام آخر من إخوانه ويذهب لقضاء حاجته. وكان معنى الإيداع متعارفاً بينهم وإن لم يقل له لا أقبل الوديعة أو احفظها عند غيري أو نحو ذلك مما يدل على عدم القبول.
ومن ذلك ما إذا أرسل شخص نعجته ‘لى راعي الغنم مع رسول ليودعها عنده فلم يقبلها الراعي (الغنام) وردها مع الرسول فضاعت فإن ظاهر مسألة الثوب تقتضي أن الراعي لا يضمنها لأنه لم يقبلها صريحاً، وهذا رأي بعضهم.
ولكن التحقيق أن الراعي يضمنها في هذه الحالة وذلك لأن عليه أن يقبلها ثم يردها بنفسه لصاحبها إن شاء، أما كونه بعيدها مع رسول أجنبي منه فإنه تفريط يوجب الضمان. فهذه ليست كمسألة الثوب لأنه لم يقبل إيداعه من صاحبه.
وكذلك القبول من الوديع فإنه تارة يكون صريحاً كقبلت أو دلالة كسكوته عند وضع المتاع بين يديه كما ذكرنا في مسألة الثوب وكما إذا وضع ثيابه في حمام بمرأى حارس الثياب فإن ذلك يكون إيداعاً. ومثل ذلك ما إذا قال صاحب الدابة لرب الخان (الوكالة) أين أربطها؟ فقال له: هناك، فإن ذلك يكون إيداعاً.
وإذا وضع شخص متاعه عند آخر فقال له: لا أقبل إيداعه فتركه صاحبه ومضى فأخذه الآخر الذي لم يقبل إيداعه وأدخله منزله فإنه يعتبر قابلاً بذلك فيلزم أن لا يقصر في حفظه.