الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص1110
أما الأعيان غير المضمونة لا بنفسها ولا بغيرها فإنها لا يجب تسليمها ولا تصح كفالتها وهي الأمانات كالوديعة، ومال المضاربة والشركة ونحوها. وقد اعترض على التعريف الثاني وهو ضم ذمة إلى ذمة في الدين أن هذا التعريف يستلزم تعدد الدين ومضاعفته فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره ألف ثم كفله فيه غيره وشغلت ذمة الكفيل به في ذمة كل منها ألف ولكن هذا الاعتراض ليس بشيء لأن الدين وإن شغلت به ذمة الكفيل إلا أنه ليس لصاحبه أن يأخذ دينه إلا من أحدها فقط ومتى دفعه أحدهما فقد برأت ذمة الآخر منه فلا يلزم من شغل الذمتين به أن يأخذه من اثنين ونظير هذه الغصب من الغاصب فإذا اغتصب زيد سلعة من عمرو واغتصب خالد تلك السلعة من زيد الغاصب فإن كلاً من زيد الغاصب الأول وخالد الغاصب الثاني منه يكون ضامناً لتلك السلعة لا يتعدد حقه بذلك فليس إلا أن يستوفي حقه من أحدهما إلا أنه في مسألة الغاصب تبرأ ذمة أحدهما إذا اختار صاحب السلعة الثاني وضمنه سلعته بخلاف الكفالة في الدين فإنه لا تبرأ الذمة اختيار واحد منهما ليضمن له دينه بل لا تبرأ إلا بالقبض فعلاً.
فوجهة نظر من يقول إن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فقط هي جعل التعريف عاماً يشمل الأقسام الثلاثة.
أما من قال: إنها ضم في نفس الدين مع المطالبة أيضاً فقد استدل بأدلة منها.
أن صاحب الدين إذا وهبه للكفيل الحق في ان يرجع به على الأصيل فلو لم تكن ذمة الكفيل مشغولة بالدين لما صح أن يهبه له الدائن لأن الدين لا تصح هبته لمن ليس عليه الدين إلا إذا أمره بقبضه كما يأتي في الهبة فدل ذلك على أن ذمة الكفيل مشغولة بالدين. وأيضا، فإن صاحب الدين إذا اشترى من الكفيل سلعة بدينه فإنه يصح مع شراء بالدين لا يصح إلا ممن عليه الدين، وأيضاً فإن الكفيل إذا مات يؤخذ الدين من تركته ولو ذمته غير مشغولة بالدين فإن المطالبة تسقط عنه بموته.
وهذه المسائل متفق عليها فكيف تقولون إنها ضم في المطالبة فقط؟
والجواب عن ذلك أن من قال إن الكفالة هي الضم في المطالبة لا ينفي أنها قد تكون ضماً في أصل الدين تعريفها بذلك لأنه لا يشمل أقسامها الثلاثة التي ذكرناها وذلك لأن الذي يتصور فيه ضم إلى ذمة إلى ذمة في أصل الدين هو الكفالة في الدين فقط. أما القسمان الآخران فأنه لا يتصور فيهما ذلك اتفاقاً ولا يقال إن من عرفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في نفس لاحظ تعريف قسم واحد فغن ذلك لا يمنع كون التعريف ناقصاً وأن الأصح بما يشمل الأقسام الثلاثة. وعلى هذا يكون الخلاف في التعريف لا ثمرة له.
أما كون ثمرته في اليمين لأن حلف ألا يحنث على القول بأن ذمته مشغولة بالدين ولا يحنث على أن ذمته مشغولة بالمطالبة فهذا مما لا معنى له.
هذا والمراد بالذمة العهد المتعلق بالإنسان فقولهم في ذمته كذا أي في نفسه باعتبار عهدها المتعلق بها فقولهم ضم ذمة إلى ذمة معناه ضم شخص إلى شخص إلى شخص في التعهد بالحق. وبعضهم يقول: إنها وصف شرعي تتحقق به الهلية لوجوب ماله وعليه والأول أو ضح، والكالقة والضمان بمعنى واحد عند الحنفية.
(وبعد) فإن الكفالة لا تصح إلا إذا أمر بها المدين كما سيأتي وإذا كانت الكفالة بالأمر فإنها توجب دينين وثلاث مطالبات.