الفقه علی المذاهب الاربعة-ج3-ص1047
أما إذا حصل ذلك لأسباب قهرية رجله أو رجل دابته فانكسر الإناء وتلف ما فيه من سمن أو عسل أو غيرهما فإنه لا يضمن إلا إذا ساق دابته بشدة غير معتادة أو سار سيراً غير معتاد فإنه في هذه الحالة يكون متسبباً فعليه الضمان.
الشرط الثاني: أن لا يكون صاحب الطعام المحمول معه أجر حمالاً ليحمل له فاكهة وصاحبه في سيره إلى منزله فتلفت الفاكهة فإنه لا يكون مسؤولاً عنها في هذه الحالة لأنه لم يسلمها للحمال ويتركه وشأنه بل لازمه في سيرها وحفظها. فلا ضمان على الحمال سواء كان حاملاً على سفينة أو دابة أو عربة أو كان حاملاً بنفسه.
وأما الصناع فإنهم يضمنون ما يتعلق بهم فالخياط مثلاً يضمن الثياب التي يخيطها ولا يضمن ما توضع فيه (كالبقجة). فإذا ضاعت أو تلفت البقجة (وتسمى – بخشة – بضم الباء وسكون الخاء) فإنه لا يضمنها. والحداد يضمن السكين التي يصلحها ولا يضمن قرابها التي توضع فيه. وبعضهم يقول: إنه يضمن هذه الأشياء إذا كانت تلزم للأشياء المصنوعة. مثال ذلك: إذا كان مستأجر لينسخ كتاب فإنه يضمن هذه النسخة التي ينقل منها لأنها لازمة لا بد منها. فإذا كان قراب السيف لازماً للصنعة فإنه يضمنه وهو أحسن من الأول. والنساج يضمن الغزل الذي ينسجه. والنحاس يضمن المحاس الذي يصنعه. والطحان يضمن الحب الذي يطحنه. وصاحب المعصرة يضمن السمسم أو بذر الخس أو الزيتون الذي يعصره، وهلم جرا. وقد عرفت أن الصناع أجراء وقد أسقط النبي صلى اللّه عليه وسلم الضمان عن الأجراء. ولكن العلماء استثنوا الصناع فحكموا بضمانهما اجتهاد لضرورة الناس وفقد العمال. فلو لم يضمنوا لسها عليهم التصرف فيما تحت أيديهم بدعوى أنهم هلك منهم. وفي ذلك ضرر عظبم يعود عليهم وعلى الناس، لأن تبديد سلع الناس يوجب الثقة بهم وانصرف الناس عنهم. فتتعطل مطالع الناس العاطلون من الصياغ. وفي ذلك ضرر عظيم على الأمم. فمصالح الناس وضيانة أموالهم تقضي بتضمين العمال وكثيراً ما يبني مالك مذهبه على المصالح العامة في مثل هذه الأحوال للضرورة.