الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص914
أما السفيه المبذر فإنه لا يخلو: إما أن يكون السفه قد عرض له وهو صغير ثم بلغ سفيهاً. وفي هذه الحالة يستمر الحجر عليه بدون حكم قاض وتكون تصرفاته غير نافذذة فإذا صار رشيداً فإن الحجر يزول بدون قاض أيضاً. وأما إذا بلغ رشيداً ثم عرض له السفه فإن الحجر عليه يكون من حق القاضي، وإذا تصرف قبل الحجر يكون تصرفه نافذاً لأنه في هذه الحالة يكون مهملاً. فإذا تصرف السفيه المحجور عليه ببيع أو شراء أو إعتاق أو نكاح أو هبة فإن تصرفه يقع باطلاً ولكن يصح طلاقه ومراجعته كما يصح خلعه، ويجب دفع عوض الخلع إلى وليه وغلا فلا يبرأ الدافع إلا إذا خالع بشرط أن يأخذ المال هو لا وليه، فإنه في هذه الحالة يبرأ الدافع إليه لأنه علق الخلع على أخذ المال، فلا يصح إلا إذا نفذ ذلك. وحكمه في العبادات المالية كالزكاة والحج وغيرهما من العبادات كالرشيد، إلا أنه لا يفرق أمثال الزكاة بنفسه ويصح منه النكاح إذا أذنه وليه، فإذا تزوج امرأة بإذن وليه وأمهرها مهر المثل فإن العقد يصح، أما إذا زاد على مهر المثل فالمشهور أن النكاح يصح أيضاً وتلغو الزيادة. وإذا عين الولي له امرأة خاصة فتزوج غيرها فإن العقد لا يصح إلا إذا كانت خيراً منها جمالاً وحسباً ولم تزد عليها مهراً ونفقة، فإن كانت كذلك فإن العقد يصح على المعتمد.
وإذا قال له الولي: إنني أدفع لك مهراً قدره كذا ولم يعين له المرأة التي يتزوجها فإن الإذن يصح، وله أن يتزوج بذلك المهر ما يشاء.
وإذا تزوج السفيه بلا إذن وليه فإن نكاحه يكون باطلاً، ويفرق بينهما ولم يلزمه شيء وإن لم تعلم الزوجة أنه سفيه لأنها فرطت في عدم السؤال عنه.
وإذا اقترض السفيه شيئاً أو اشتراه وقبضه وأتلفه فلا ضمان عليه لا في أثناء الحجر ولا بعد فكه عنه، لأن مالكه أهمل ماله وسلطه عليه وجزاء المهمل الخسارة ولا فرق في ذلك بين أن يكون عالماً بأنه سفيه أو لا، لأنه في حالة عدم العلم يكون مقصراً.
إذا أقر السفيه بأنه استدان من شخص مالاً قبل الحجر عليه أو بعده فإن إقراره لا يقبل وكذلك إذا أقر بأنه أتلف مال شخص، أو قتل دابة ونحو ذلك مما يوجب عوضاً مالياً فإنه لا يقبل على الأظهر، ولا يعمل بإقراره بعد فك الحجر عنه. أما إذا أقر بما يوجب الحد والقصاص فإنه يعمل بإقراره.
ولا يصح إذن الولي في المعاملات سوى النكاح، فإذا أذنه في بيع أو شراء أو تجارة فإنه لا ينفعه إذنه ولا يفيده شيئاً على الراجح. وقيل: ينفع بشرط أن يقدر الولي العوض كأن يقول له: اشتر السلعة بعشرة جنيهات. أما ما لا عوض له كالهبة فإنه لا ينفع فيه إذن بالاتفاق.
الحنابلة – قالوا: السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، فإذا كان الشخص البالغ سفيهاً لا يحسن التصرف فإن الحجر عليه يكون من حق الحاكم، فإذا كان السفه صفة له وهو صغير ثم بلغ رشيداً ولكن عاوده السفه بعد البلوغ أعيد الحجر عليه بمعرفة الحاكم. ومثله المجنون كما تقدم ولا يفك الحجر عنه إلا بحكم، لأنه حجر ثبت بحكمه فلا يزال إلا به.
وإذا حجر على السفيه فإن تصرفاته تكون باطلة، وللولي أن يأذنه في بعض التصرفات فتنفذ ومن ذلك الزواج؛ فإن الولي إذا أنذه بأن يتزوج فباشر بنفسه فإنه ينفذ إلا إذا كان السفيه في حاجة إلى الزواج لمتعة أو خدمة فإن له أن يفعل وإن لم يأذنه وليه، وسواء طلب منه ومنعه أو لم يمنعه، ولكن لا ينفذ زواجه إلا بمهر المثل.