الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص888
ثالثاً: يشترط في الشيء المقرض أن يكون مما يصح فيه السلم إذا كان موصوفاً في الذمة، كأقرضتك جملي الموصوف بكذا، إنما يشترط أن يقبضه المقترض حالاً، فلا يصح أن يؤخر قبضه زمناًعلى أنه لا يشترط في المجلس بل يصح ولو تفرقا. أما المعين كهذا الجمل الحاضر فإنه لا يشترط فيه القبض حالاً. لأنه أقوى من الموصوف في الذمة فيصح تأخير قبضه، وقد عرفت في السلم أن المعين لا يصح فيه السلم ولكن يصح قرضه، وخرج بقول مما يصح فيه السلم الخ، الموصوف في الذمة التي لا يصح فيه السلم، نحو الدابة الحامل فإنه لا يصح قرضها، كما لا يصح أن تكون مسلماً فيها. وإنما اشترط في القرض أن يكون الشيء المقرض مما يصح فيه السلم. لأن مالا يصح فيه السلم، لا ينضبط، أو يندر وجوده فيتعذر رد مثله. ويستثنى من ذلك الخبز فإنه لا يجوز السلم فيه، ولكن يجوز إقراضه وزنا لعموم الحاجة إليه. وبعضهم يقول: يجوز إقراضه عداً أو وزناً، وكذلك يستثنى قرض نصف عقار شائع كنصف دار فإنه لا يصح السلم فيه ولكن يصح إقراضه، وذلك لأن المطلوب في القرض أن يكون للشيء المقرض بفتح الراء مثل يمكن رده للمقرض بكسر الراء، ونصف الدار الشائع يقابله النصف الآخر وهو مثله تماماً، فيصح في هذه الحالة أن يرد المقترض من النصف الآخر للمقرض وهو مثل ما أقرضه تماماً. وإنما لم يصح السلم فيه لأنه نادر الوجود وإذ لا يوجد له مثل إلا نصفه الثاني؛ فلو نفذ يتعذر وجود مثل فلا يصح السلم لذلك. أما ثلثا العقار أو كل العقار فلا يصح قرضه، كما لا يصح السلم فيه لعدم وجود المثل حينئذ: ولا يقال: إنه يصح أن يقرض ثلثي العقار أو كل العقار ويدفع بدله من عقار آخر، إذ لا يلزم أن يرد في صورته ومعناه. بل يكفي في القرض أن يكون نظيره في عقار آخر، لأن ذلك قد يترتب عليه نزاع، فإن المقرض قد لا يرضى إلا برد مثله الصوري. ولا يقبل رد نظيره من عقار آخر، وظاهر هذا أن المقرض إذا رضي بذلك ابتداء فإنه يصح.
ومن ذلك يتضح أنه يجوز قرض ما له مثل، وما له قيمة. فأما المثلي فإن على المقترض أن يرد مثله، سواء كانت نقوداً معدودة أو غيرها، فلو اقترض نقوداً وبطل العمل بها فلا يلزم إلا برد مثلها إذا كانت لها قيمة غير تافهة، أما إذا كانت لها قيمة تافهة فإنه يلزم برد قيمتها باعتبار أقرب وقت بالنسبة لوقت المطالبة بها، ومثلها الفلوس “القروش” من غير الذهب والفضة.
وأما القيمي فإن على المقترض أن يرد مثله صورة كما إذا اقترض جملاً فإن المطلوب أن يرد جملاً مثله، فلا يصح أن يرد فيه بقرة. نعم يصح أن يرده أحسن أو أكبر، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم اقترض جملاً وهو في السنة السادسة ورد مثله جملاً في السنة السابعة.
رابعاً: يفسد القرض بشرط يجر منفعة للمقرض كرد زيادة في القدر أو الصفة كأن يقترض منه قمحاً غير نظيف بشرط أن يرده له مغربلاً نظيفاً، أو يقترض ورقاً بشرط أن يرد ذهباً، فلو رد زيادة بلا شرط فحسن لما في الحديث السابق. أما إذا شرط أنه لا يقرضه إلا برهن، أو كفيل أو إشهاد فإنه لا يصح، لأن هذا الشرط من مقتضى العقد كما تقدم. وحاصل ذلك: أن الشرط في القرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يجر نفعاً للمقرض، وفي هذه الحالة يكون فاسداً مفسداً للعقد.
الثاني: أن يجر نفعاً للمقترض كأن يشترط المقترض أن يرد ردئياً وقد أخذ جيداً، وفي هذه الحالة يكون الشرط فاسداً والعقد صحيح.
الثالث: أن يكون للوثوق، كطلب رهن وكفيل وهو صحيح نافذ، ومحل ذلك كله إذا وقع الشرط في صلب العقد أما قبل العقد فلهما أن يشترطا ما يعجبهما ويتفقا عليه من غير ذكر في طلب العقد ولا يكون مفسداً، ويصح أن نذكر هنا حيلة مخلصة من الربا وهي أنه إذا أراد أن يقترض شخص مالاً من آخر، فيصح للمقرض أن يبيعه سلعة بثمن زائد على قيمتها ثم يشتريها منه بأقل مما باعها ويعطيه الثمن، فتحصل له الزيادة التي يريدها ولا تكون ربا. مثال ذلك: أن يبيعه مائة إردب من القمح بسعر الإردب جنيهين وهو يساوي جنيهاً ونصفاً، ثم يشتريها منه بقيمتها الحقيقية فتحصل له الزيادة وينجو من الربا.
المالكية – قالوا: يتعلق بالقرض أحكام: