الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص846
وأما بيع الزرع فإنه يجوز إذا بدا صلاحه مطلقاً، وإن لم يبد صلاحه فلا يجوز بيعه وحده إلا بشرط قطعه أو قلعه. ولا يصح بيع حب مستتر في سنبله كقمح وسمسم وعدس وحمص، سواء كان وحده أو مع أصله. أما إذا بيع الأصل وحده فيصح أن يتبعه هذه الأشياء على المتقدم بيانه. وهذا ولا يصح بيع القمح في “سنبله” بالقمح الخالص من التبن، لأن هذا البيع يسمى بيع “المحاقلة” وهو منهي عنه. وكذلك لا يجوز بيع الرطب على النخيل بالتمر، ويسمى بيع المزابنة وهو منهي عنه أيضاً، على أنه يصح بيع الرطب أو العنب وهو على شجره خرصاً بتمر أو زبيب كيلاً.
ولا يصح بيع الرطب وهو على نخله بالتمر، لأن ذلك هو بيع المزابنة المنهي عنه المذكور، إلا في العرايا فإنه يصح بيع الرطب على النخل بالتمر. والعرية: ما يفردها مالكها للأكل، فإذا كان له بستان “حديقة” وأفرد منه بعض نخله للأكل منه، فإنه يجوز أن يبيع ثمرها الرطب بالتمر اليابس خرصاً – بكسر الخاء – ومعناه: أن يقدر ما عليها من التمر بالتخمين بأن يقدر البائع أو المشتري أو غيرهما بطريق الحدث والتخمين ما على النخلة من الرطب إن كان يساوي إردباً أو أكثر أو أقل، فيأخذه المشتري ويدفع ثمنه تمراً كيلاً مثلاً ما تم عليه التقدير.
ومثل رطب النخل وتمره في ذلك الحكم: العنب والزبيب، فإنه يجوز أن يبيع العنب في كرمه خرصاً بالزبيبن كيلاً، لأن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رخص في التمر والرطب، وقيس عليه الزبيب والعنب، وسبب هذه الرخصة: أن بعض الفقراء الذين لا يملكون مالاً شكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم لا يجدون شيئاً يشترون به الرطب سوى التمر، فرخص لهم في شراء ذلك على أن الرخصة أصبحت عامة للفقراء وغيرهم، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
وإذا كان الثمن ثمراً على الشجر بأن اشترى رطباً على شجرة بتمر على شجرة، فإنه يشترط أن يكون الثمن كيلاً بأن يقدر الرطب ويحدد كيل الثمن، فلا يصح تقديره تخميناً.
ويشترط لصحة بيع العرايا تسعة شروط:
أحدها: أن يكون المبيع أقل من خمسة أوسق في حال جفافه، وإن كان أكثر من ذلك وقت المبيع.
ثانيها: أن لا يتعلق بها حق الزكاة. وإلا فلا يصح بيعه.
ثالثها: أن يكون المبيع عنباً أو رطباً.
رابعها: أن يكون ما على الأرض مكيلاً والآخر مخروصاً.
خامسها: أن يكون ما على الأرض يابساً والآخر رطباً.
سادسها: أن يكون الرطب على الأشجار.
سابعها: أن يتقابضا قبل التفرق بتسليم التمر والزبيب كيلاً، وتخلية الشجر للمشتري ليقطع منه الثمر وإن لم يكن الشجر في مجلس العقد ولكن لا بد من بقائهما في المجلس حتى يمضي زمن الوصول إلى الشجر.
ثامنها: أن يكون الثمر قد ظهر صلاحه.
تاسعها: أن لا يكون مع المبيع أو الثمن شيء من غير جنسه.
وخرج بالرطب والعنب سائر الثمار كالجوز واللوز والمشمش، فلا يصح بيع رطبها بجافها لكونها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يمكن تقديرها.