پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص807

الحنفية – قالوا: العلة في تحريم الزيادة هي الكيل والوزن كما يقول الحنابلة، إلا أنهم قالوا: إن القدر الذي يتحقق فيه الربا من الطعام هو ما كان نصف صاع فأكثر، أما إذا كان أقل من نصف صاع فإنه يصح فيه الزيادة، فيجوز أن يشتري حفنة من القمح بحفنتين يداً بيد أو نسيئة وهكذا إلى أن تبلغ نصف صاع، فيصح بيع التمرتين لأن التمر يباع مكيلاً، وكل ما كان أقل من نصف صاع لا يدخله الربا، وهذا هو المشهور، أما القدر الذي يتحقق فيه الربا من الموزون فهو ما دون الحبة من الذهب والفضة، وما كان كتفاحة أو تفاحتين من الطعام، يجوز بيع التفاحة بتفاحتين ولكن يشترط في صحة البيع في مثل ذلك تعيين البدلين كأن يقول: بعتك هذه التفاحة المعينة بهاتين التفاحتين كما سيأتي بيانه، فكل ما تحققت فيه هذه العلة فإنه يدخله الربا، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، فيقاس على القمح والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل كالذرة والأرز والدخن والسمسم والحلبة والجص إذا كان لا يباع بالكيل، ويقاس على الذهب والفضة كل ما يباع بالوزن كالرصاص والنحاس. أما الذي لا يباع بالكيل ولا بالوزن كالمعدود والمذروع فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز أن يبيع الذراع من الثوب بذراعين بثوب من جنسه بشرط القبض الآتي بيانه، كما يجوز أن يبيع البيضة بيضتين والبطيخة باثنتين وهكذا، والضابط في ذلك أن المبيع إذا كان متحداً مع الثمن في الجنس كقمح بقمح، وشعير بشعير وكان يباع بالكيل والوزن فإنه لا يصح أن يوجد في أحد العوضين زيادة، سواء كانت الزيادة لأجل أو لا، فيحرم ربا الفضل وربا الزيادة، وذلك كالقمح والشعير والذهب ونحوهما مما يباع كيلاً أو وزناً، لأنه قد تحقق فيها القدر والكيل والوزن والجنس، أما إذا وجد أحدها فقط فإنه لا يدخله ربا الفضل، وإنما يحرم فيه ربا النسيئة، فمثال ما يتحقق فيه الجنس دون القدر: البيض والبطيخ ونحوهما من كل ما يباع عداً، ومثله الثياب ونحوهما من كل ما يباع بالذراع فإنه قد وجد فيها اتحاد الجنس وانتفى القدر، أعني كونها مبيعة بالكيل أو الوزن، ومثال ما وجد فيه القدر دون اتحاد الجنس: القمح والشعير فإنهما يباعان كيلاً مع اختلاف جنسهما، فيحرم في هذا ربا النساء وهو البيع مع زيادة الأجل، ولا يحرم ربا الفضل وهو البيع مع زيادة بشرط القبض أما بيع الطعام بجنسه بدون زيادة فإنه لا يشترط فيه القبض.

الشافعية – قالوا: الأشياء المذكورة في الحديث تنقسم إلى قسمين: نقد وهو الذهب والفضة ومطعوم وهو ما قصد ليكون طعاماً للآدميين غالباً، أي ما خلقه اللّه بقصد أن يكون لهم طعاماً بأن يلهمهم ذلك ولو شاركهم فيه غيرهم كالفول بالنسبة للبهائم والإنسان، فكل ما وجد فيه النقدية “أي كونه ثمناً” والطعمية – بضم الطاء – “أي كونه مطعوماً” فإنه يدخل فيه الربا، ولا فرق في الثمن بين أن يكون مضروباً كالجنيه والريال، أو غير مضروب كالحلي والتبر، فلا يصح أن يشتري جنيهين بثلاثة لأجل أو مقابضة كما لا يصح أن يشتري قطعة مصنوعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل زنتها ثلاثة عشر كما سيأتي في الصرف.

أما عروض التجارة فإنه يصح بيعها ببعضها مع زيادة أحد المثلين على الآخر، لأنها ليست أثماناً فلم تتحقق فيها العلة المذكورة.

وأما المطعوم فإنه يشمل أموراً ثلاثاً ذكرت في الحديث. أحدها: أن يكون للقوت كالبر والشعير، فإن المقصود منهما التقويت، ويلحق بهما ما في معناهما: الأرز، والذرة، والحمص والترمس، وقد اختلف في الماء العذب فقيل: إنه يلحق بالقوت لأنه ضروري للبدن، وقد أطلق اللّه عليه أنه مطعوم قال تعالى: ومن لم يطعمه فإنه مني

. وقيل: إنه مصلح للبدن فهو ملحق بالتداوي الآتي.

ثانيها: أن يكون للتفكه وقد نص الحديث على التمر فيلحق به ما في معناه كالزبيب والتين.

ثالثهاً: أن يكون لإصلاح الطعام والبدن، وقد نص الحديث على الملح فيلحق به ما في معناه من الأدوية كالسنامكي ونحوها من العقاقير المتجانسة، ومنه الحلبة اليابسة فإنها تستعمل دواء بخلاف الخضراء فإنها ليست بربوية. فخرج بقوله: ما قصد أن يكون طعاماً ما كان مطعوماً ولكن لم يخلق بقصد أن يكون كذلك. كالجلد والعظم فإنه وإن كان يؤكل ولكنه لم يخلق لذلك. وخرج أيضاً ما اختص به البهائم كالحشيشي والتبن والنوى فإنه لا ربا فيه، ومن هذا تعلم أن الشافعية قاسوا كل ما فيه طعم وما يصلح نقداً على الأشياء الستة المذكورة في الحديث، فعلة القياس هي الطعمية والنقدية، فأما ما ليس بطعم كالجبس مثلاً فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلاً كعوض التجارة.