پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص795

ثانيهما: أن يكون الانتفاع به مباحاً شرعاً، فإذا لم يكن من شأنه الانتفاع به كحبة من حنطة، أو لم يكن الانتفاع به مباحاً شرعاً كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة ونحو ذلك مما يعتبر ميته في نظر الشرع فإنه لا يعتبر مالاً، فغذا باع مالاً ينتفع به أصلاً كالتراب، والدم المسفوح، والقليل التافه كحبة من حنطة، فإن بيعه يقع باطلاً. وكذلك إذا باع ما ينتفع به ولكن لم يكن الانتفاع به مباحاً في نظر الشرع، كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة لأنه وإن كان مالاً ينتفع به في ذاته، ولكن الشرع نهى عن الانتفاع به فلم يكن مالاً عنده. أما إذا اشترى بالخمر والمنخنقة ونحوهما سلعة وجعله ثمناً كان البيع فاسداً يفيد المبيع بالقبض، ويلزم المشتري بدفع قيمته ولا يباح الانتفاع به. ومن هذا الضابط تعلم أن المعول عليه في انعقاد البيع: هو أن يكون للشيء قيمة مالية شرعية، فإذا لم تكن له قيمة في بعض الأزمنة، ثم عرض له ما يجعل له قيمة كان بيعه صحيحاً متى كان يباح الانتفاع به شرعاً كالتراب إذا كان يستعمل سماداً للزرع، أو ينتفع به في شيء آخر. وكالرمل إذا كان يستعمل في الأبنية ونحوها. أما إذا عرض له ما يجعل له قيمته ولكن لم يكن مباحاً في نظر الشرع كالدم المسفوح إذا صنع به ما يجعله صالحاً للأكل فإنه لا يحل، لأن الشارع نهى عنه، فجواز البيع يدور مع حل الانتفاع بما له قيمة.

ومنها: بيع ذبيحة لم يذكر اسم اللّه عليها.

ومنها: بيع ما يعمله في الأرض حرثاً ويسمى كراباً. يقال: كرب الارض من باب فعل، إذا قلبها. فإذا استأجر أرضاً من شخص ثم حرثها وأعادها له فلا يجوز أن يبيعه ذلك الحرث، ومثل ذلك ما إذا حفر حفرة “قناة” متصلة بالنهر ويسمى كري النهر “يقال: كرى النهر كرمي، إذا حفر فيه حفرة جديدة، أما إذا أحدث فيها بناء أو شجراً فإنه يجوز بيعه ما لم يشترط تركه له.

ومنها: بيع المعدوم كبيع علو سقط بناؤه، كما إذا كان لرجلين بناء أحدهما له السفل والآخر له العلو فسقطا معاً، أو سقط العلو وحده فإن بيع العلو لا يجوز بعد ذلك، لأن المبيع في هذه الحالة يكون عبارة عن حق التعلي، وحق التعلي ليس بمال لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها وليس هو حق متعلق بالمال أيضاً بل هو حق متعلق بالهواء وليس الهواء مالاً يباع والمبيع لا بد أن يكون أحدهما. أما إذا باع العلو قبل سقوطه فإنه يصح، وكذا يصح بيع العلو الساقط إذا كان لصاحب السفل على أن يكون سطح السفل لصاحب السفل، وللمشتري حق القرار فوقه. حتى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علواً آخر مثل الأول. ومن بيع المعدوم بيع ما ينبت في باطن الأرض إذا لم ينبت أصلاً، أو كان قد نبت ولكن لم يعلم وجوده وقت البيع كالجزر والفجل والبصل. أما إذا كان قد نبت وعلم وجوده وقت البيع فإن بيعه يصح ولا يكون معدوماً على أن للمشتري خيار الرؤية بعد قلعه ثم كان المبيع في الأرض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والجزر والبصل فقلع المشتري شيئاً بإذن البائع أو قلع البائع شيئاً فرآه المشتري فلا يخلو: إما أن يكون المقلوع له قيمة بحيث يدخل تحت الوزن أو الكيل، وإما أن يكون شيئاً يسيراً.

فالأول: إذا رآه المشتري ورضي به سقط خياره ولزمه البيع في الكل إذا وجد الباقي كذلك، لأن رؤية البعض تكون كرؤية الكل.