الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص705
وإذا حلف لا أفارقك حتى أوفيك حقك وكان الحق ديناً فأبرأه صاحب الدين فإنه لا يحنث، أما إذا كان الحق عيناً من وديعة وعارية ونحوها فإنه إذا وهبها له مالكها منه فقبلها يحنث، لأن البر فاته باختياره لتوقفه على قبوله، لأنه إذا لم يقبل لا يحنث. وإذا قبضها مالكها منه ثم وهبها إياه فإنه لا يحنث. وإذا كانت يمينه لا أفارقك ولك في قبلي حق فأبرأه صاحب الدين أو وهب له العين، أو أحاله المدين بدينه فإنه لا يحنث، وما نواه بيمينه في ذلك مما يحتمله لفظه فهو على ما نواه. وإذا حلف لا يباشر لزيد بيع شيء فوكل زيد رجلاً غير الحالف في أن يباشر له بيع فرسه فأعطاها الوكيل للحالف ليباشر بيعها بدون أن يعلمه بأنها لزيد فباعها فإنه لا يحنث إلا في اليمين بالطلاق والعتاق. وإذا حلف لا يشتري شيئاً اشتراه زيد، فاشترى زيد سلعة بالشركة مع عمرو فإن الحالف يحنث بشرائها إلا إذا نوى أن لا يشتري ما انفرد زيد بشرائه فإنه يعمل بنيته وإذا حلف لا يأكل شيئاً مما اشتراه زيد فاشترى غير زيد وخلطه به ثم أكل الحالف منه، فإن كان القدر الذي أكله قدر ما اشتراه الآخر أو أقل منه فإنه لا يحنث. أما إذا كان أكثر فإنه يحنث. وإذا حلف لا يأكل مما اشتراه زيد فاشترى زيد من الحالف شيئاً مأكولاً كتمر أو زبيب ونحوهما ثم اقاله الحالف من الشراء وأكل منه لا يحنث، لأن الإقالة فسخ يبطل بها الشراء وإذا اشتراه زيد لغيره بوكالة ونحوها ثم أكل منه الحالف فإنه يحنث. وكذا إذا اشتراه زيد ثم باعه لغير الحالف فأكل منه الحالف بعد بيعه فإنه يحنث).
2 مباحث النذر
3 تعريفه
النذر هو أن يوجب المكلف على نفسه أمراً لم يلزمه به الشارع.
3 حكمه ودليله
وحكمه وجوب الوفاء به متى كان صحيحاً مستكملاً للشرائط الآتي بيانها لقول اللّه تعالى: وليوفوا نذورهم
وقوله صلى اللّه عليه وسلم: “من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه” وهذا الحكم إنما هو بعد وقوعه، لأن الناذر قد أوجبه على نفسه، أما الإقدام عليه قبل وقوعه ففي جوازه تفصيل في المذاهب
(الحنابلة – قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه اصلاة والسلام عنه وقال: “إنه لم يأت بخير”. وإنما يستخرد به من البخيل، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئاً جديداً ولا يرفع واقعاً، فإذا وقع منه وجب الوفاء به على التفصيل الآتي.
المالكية – قالوا: النذر المطلق مندوب وهو ما أوجبه على نفسه سكراً للّه تعالى على ما حصل ووقع فعلاً من نعمة أو دفع نقمة كمن نجاه اللّه من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالاً أو علماً فنذر للّه قربة يفعلها شكراً، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق وهو أن ينذر قربة معلقاً على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى اللّه مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وغلا كان محرماً لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: “لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قضاء اللّه شيئاً” ورواه مسلم، والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خلاف وكذا إذا نذر نذراً مكروهاً كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما نذر ما لا طاقة له به فهو حرام.
الحنفية – قالوا: النذر الصحيح المستكمل للشروط الآتية قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج ونحوهما، وأما كونه مشروعاً فللأوامر الواردة بإيفائه.