الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص681
الشافعية – قالوا: من حلف لا يسكن هذه الدار فمكث فيها بدون عذر حنث، ثم إن كان مستوطناً فيها يلزمه أن يخرج منها حالاً بنية التحويل عنها، وإن لم يكن مستوطناً كأن دخل متفرجاً فإنه يلزمه أن يخرج منها حالاً ولا يحتاج لنية. ومتى خرج على هذا الوجه لم يحنث، سواء كان متاعه وأهله بها أو لا. وإن مكث بعذر كجمع متاعه وإخراج أهله ولبس ثيابه وإغلاق أبوابه وخوفه على نفسه وماله، أو منعه أحد من الخروج فإنه لا يحنث بالمكث لذلك، إلا إذا وجد من ينيبه عنه بأجر المثل، ولا تشترط القدرة على الإنابة في الأمتعة التي يجب إخفاؤها عن الغير، فهذه لا يحنث بمكثه إلا إذا اشتغل عقب حلف ببناء حائل فلا يحنث بمكثه لذلك على الراجح. وإذا حلف لا يساكنه بدون أن ينوي موضعاً حنث في مساكنته في أي موضع، إلا إذا كان البيتان في خان ولو كان صغيراً واتحد المرقى وتلاصق البيتان، وإذا سكن كل منهما في حجرة منفردة المرافق كالمطبخ والمستحم والمرقى لا يحنث.
وإذا حلف لا يدخل هذه الدار وهو موجود فيها، أو لا يخرج منها وهو خارجها أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يتطيب وهو متطيب فإنه لا يحنث، لأن استدامة هذه الأشياء لا تسمى فعلاً في العرف. والضابط في ذلك أن المحلوف عليه إذا كان يمتد زمناً يقدر بمدة كالقيام والعقود والسكن والركوب واللبس والمشاركة ونحوها فإنه يحنث بفعل المحلوف عليه، لأن هذه الأمور تقدر بمدة فيقال: قمت ساعة، وقعدت يوماً، وسكنت شهراً، وشاركته سنة. أما إذا كان المحلوف عليه لا يمتد زمناً فلا يقدر بمدة كالدخول والخروج إلى آخر ما ذكر، فإنه لا يحنث بفعله. وكذا إذا حلف لا يصوم أو لا يصلي وهو صائم متلبس بالصلاة فإنه لا يحنث باستدامتها، لأنهما وإن كانا يقدران بمدة فيقال: صمت شهراً، وصليت يوما، ولكن العبرة في مثلهما بالنية وهي لا تقدر بمدة، وإذا حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله وهو شركه فإنه يحنث باستدامة الشركة. وإذا حلف لا يشارك أخاه في ملك هذه الدار ومات أبوهما فانتقل الملك لهما بالإرث فإنه يحنث إذا قدر على قسمتها ولم يقسمها، أما إذا لم يقدر فإنه لا يحنث لقيام العذر. وإذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها وهو لا يعرفها فإنه لا يحنث، كما إذا حلف لا يسلم على فلان ثم سلم عليه في الظلمة وهو لا يعرفه فإنه لا يحنث لما تقدم من أن شرط المؤاخذة على اليمين أن يفعل المحلوف عليه عالماً عامداً مختاراً.
الحنابلة – قالوا: إذا حلف لا يدخل داراً فإنه يحنث إذا دخلها على أي حالة يحنث بدخولها ماشياً أو راكباً أو محمولاً، كما يحنث إذا ألقى بنفسه في ماء متصل بها فجره إلى الدخول، أو تسور حائطاً أو نقبه أو دخل من طاقة فيها أو من باب أو غير ذلك، وإنما يحنث بالدخول إذا كان مختاراً، أما إذا كان مكرهاً كأن حمل علىدخولها بالضرب أو أخذ ماله أو هدد بالقتل أو نحو ذلك فإنه لا يحنث لما تقدم من أن الشرط في الحنث عدم الإكراه. وإذا حمله شخص بغير إذنه وأدخله الدار فإن كان يمكنه الامتناع ولم يمتنع حنث وإلا فلا يحنث. وإذا زال الإكراه واستمر باقياً فإنه يحنث.