پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص658

الثانية: النية وهي تعمل في الملفوظ لتعين بعض ما يحتمله اللفظ ولو لم يكن متعارفاً. كما إذا حلف لا يهدم بيتاً ونوى بيت العنكبوت فإنه يحنث إذا هدمه؛ وإن لم يكن بيتاً في العرف ولكن الحالف نوى ما يحتمله اللفظ فيعمل بنيته. والنية تخصص العام، والعبرة بنية الحالف في اليمين باللّه إن كان مظلوماً. فإذا حلفه شخص على فعل شيء ظلماً فحلف له ونوى بيمينه غير ما يريده المحلف لا يحنث. أما إن كان ظالماً فيعتبر نية المحلف. ومثله الحلف بالطلاق تعتبر نيته ديانة إن كان مظلوماً. وإلا فلا ترفع عنه الحنث ديانة كما لا ترفع عنه قضاء على أي حال بخلاف العرف فإنه يخصصه ديانة وقضاء. وكذلك تخصص الجنس بإرادة أحد أنواعه، وكذلك تعين أحد معاني المشترك المحتملة اللفظ. أما تعيم الخاص بالنية بأن يذكر لفظاً خاصاً ويريد منه العام كما إذا حلف لا يشرب لفلان ماء وأراد بذلك قطع علاقته معه في كل ما له فيه منه فإن نيته لا تنفع، لأن اللفظ لا يحتمله. فمثال تخصيص العام بالنية: أن يحلف بأن لا يأكل طعاماً أو يشرب شراباً وينوي بحلفه طعاماً خاصاً فإنه يصدق ديانة لا قضاء. أما إذاحلف أن لا يأكل بدون أن يقول طعاماً ونوى أن لا يأكل طعاماً خاصاً فإنه لا يصدق لا ديانة ولا قضاء. لأنه لم يذكر العام في عبارته. ومثله ما إذا قال: واللّه لأضربنه خمسين ونوى ضربه بسوط معين فإنه لا يحنث إذا ضربه بأي شيء؛ لأنه السوط لم يذكر حتى يصح تخصيصه، والنية إنما تعمل في الملفوظ. فلا تعتبر نيته في هذه الحالة. وإنما تنفع نية تخصيص العام إذا نوى قصره على بعض أفراده. أما إذا نوى قصره على بعض متعلقاته فإن النية لا تنفع. فإذا نوى بقوله: واللّه لا آكل طعاماً قصر الطعام على بعض أفراده كاللحم مثلاً تنفعه. لأن الطعام تحته أفراد كثيرة كاللحم والفاكهة والخبز الخ. فإذا أراد باللفظ العام فرداً من هذه الأفراد صح أما إذا نوى شيئاً متعلقاً بذلك العام خارجاً عن أفراده فإنه لا ينفع. كما إذا نوى أنه لا يأكل طعاماً في زمن معين أو مكان معين. لأن الزمان والمكان غير داخلين في أفراد الطعام فلا تنفع إرادتهما منه.

ومثال تخصيص الجنس بإرادة أحد أنواعه أن يحلف بأن لا يتزوج امرأة وينوي بذلك نوعان خاصاً من النساء كعربية فإنه يصدق ديانة؛ لأن الإنسان يتنوع إلى عربي وحبشي وزنجي ورومي وتركي وهكذا، فيصح تخصيص الجنس بنوع من أنواعه، “إن شئت قلت تخصيص النوع بصنف من أصنافه”، أما إذا نوى تخصيصه بصفة من صفاته الضرورية كشخص المرأة بكونها مصرية أو عراقية أو شامية فإن نيته لا تنفع لا ديانة ولا قضاء، لأن الصفة ليست من مدلول لفظ المرأة بل هو تخصيص بالمكان فلا تنفع فيه النية.

الثالث: المعنى اللغوي وهو لا يعتبر مع العرف إلا إذا وقع مشتركاً بين اللغة والعرف، فيعتبر المعنى اللغوي على أنه من العرف، ومثله المعنى الشرعي كما تقدم بيانه.

الرابع: السبب الباعث على الحلف، فإذا حلف بسبب صفة في المحلوف عليه ثم زالت هذه الصفة فإنه لا يحنث بفعله. أما إذا لم تزل هذه الصفة أو لم تكن موجودة وقت الحلف أصلاً فإنه يحنث.

فمثال ما فيه صفة زالت بأن يحلف أن لا يأكل هذا العنب وهو رطب فإذا زالت رطوبته واكله زبيباً فإنه لا يحنث أما إذا لم تزل منه صفة الرطوبة فإنه يحنث بأكله وهو ظاهر.

ومثال الصفة التي لم تكن موجودة وقت الحلف أن يقول: واللّه لا أكلم هذا الصبي أو لا آكل من هذا الحمل “ولد الشاة الصغير” فإنه يحنث إذا كلمه وهو شيخ أو أكله وهو كبش، وذلك لأن صفة الصغر الموجودة في الصبي وفي الحمل تلغو مع الإشارة، ولا تعتبر إلا الذات المشار إليها وهي باقية في الصغر والكبر، فلم تكن موجودة وقت الحلف بهذا الاعتبار فلا ينظر إليها في اليمين فإذا كان الباعث له على اليمين سبباً آخر سوى الصغر فإن يمينه ينصر إليه. كما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي خوفاً على عرضه أو لكونه سفيهاً فكلمه وهو شيخ لزوال السبب فإنه لا يحنث، لأن الوصف كان موجوداً وقت الحلف وقد زال، والإشارة غير موجودة فلا يحنث؛ وهذا يشبه بساط اليمين عند المالكية.