الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص630
تنقسم اليمين إلى لغو لا إثم فيه ولا كفارة عليه، والى منعقدة وهي ما لها كفارة إذا حنث فيها، وغموس (الحنفية – قالوا: اليمين الغموس هوأن يحلف باللّه تعالى كاذباً متعمداً الكذب، ولا يلزم أن يكون المحلوف عليه فعلاً ماضياً في الحال، بل يكون كذلك كقوله: واللّه ما ضربت محمداً عالماً بأنه ضربه، وقد يكون غير فعل في الحال كقوله: واللّه إنه ذهب الآن، وهوعالم بأنه فضة، وكقوله: واللّه ما له علي ألف، وهوعالم بأن له عليه ذلك، ولكن الأكثر في اليمين الغموس أن يكون المحلوف عليه فعلاً ماضياً، فإن الذي يتعمد الكذب يحدث غالباً عن الماضي بقوله فعلت وتركت، ولا يتصور اليمين الغموس في غير الحلف باللّه تعالى، لأنه هو الذي لا كفارة له، ويكون صاحبه آثماً تلزمه التوبة، أما الحلف بغير اللّه تعالى كالحلف بالطلاق كاذباً متعمداً فإنه ينعقد ويقع به الطلاق، وكذلك اللغوفإنه يقع به الطلاق، واختلف في كون اليمين الغموس كبيرة من الكبائر على قولين: أحدهما أنها كبيرة مطلقاً لأن فيها امتهاناً لاسم اللّه تعالى، وثانيهما أنها تكون كبيرة إذا ترتب عليها قطع حَق أو إيذاء من لا يستحق الإيذاء، أو إدانة بريء أو نحو ذلك، فإن لم يترتب عليها شيء من ذلك تكون صغيرة لا كبيرة.
أما اللغوفي اليمين فإنه يشمل أمرين: الأول: أن يحلف على شيء وهو يعتقد أو يظن أنه صادق ثم يظهر أنه كاذب، كما إذا حلف أنه ما دخل دار فلان أمس معتقداً أو ظاناً صدق نفسه مع أنه دخلها، أو يحلف بأنه لا نقود معه الآن ظاناً أنها ليست معه وهي معه، ولم يفرقوا في ذلك بين الظن القوي والضعيف. الثاني: أن يسبق لسانه إلى الحلف بدون قصد أصلاً أوقصد شيئاً وجرى لسانه إلى غيره كقوله: لا واللّه؛ وبلى واللّه.
ولا يكون اللغوعندهم إلا في الماضي أو الحال كما مثل، أما الحلف على المستقبل كقوله: واللّه لأسافرن غداً فإنه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيه، سواء قصد أولم يقصد، بخلاف الغموس فإنه يكون في المستقبل، لأن المدار فيه على تعمد الكذب، فإذا حلف بأنه لا يدخل دار فلان غدارً وهومصمم على دخولها فقد تعمد الكذب وكانت يمينه غموساً.
وحكم اللغوأن الحالف لا يؤاخذ به في الآخرة، ولا في الدنيا فلا كفارة عليه ولا إثم فيه.
ولا يكون اللغوإلا في اليمين باللّه تعالى، أما اليمين بغير اللّه تعالى فإن أثره يبقى، كما إذا حلف بالطلاق لغواً أو بالعتاق، أو نذر صدقة فإنه يقع به الطلاق، ويلزم العتق والنذر كما تقدم قريباً.
أما المنعقدة فهي الحلف باللّه أو صفاته كما يأتي.
المالكية – قالوا: اليمين الغموس تشمل أمرين: الأول: أن يحلف كاذباً متعمداً الكذب وهذه تغمس صاحبها في النار أو الإثم الذي هوسبب في النار، وليست لها كفارة لأنها أعظم من أن تنفع فيها الكفارة، بل الحالف بها يتوب ويقرب إلى اللّه تعالى بما قدر عليه من صيام أو صدقة أو نحوهما.
الثاني: أن يحلف على شك أو ظن ضعيف كأن يقول: واللّه ما لقيت فلاناً أمس وهولا يدري ألقيه أم لا؟، وفي هذه الحالة لا يخلو: إما أن يظهر صدقه بعد ذلك، أو يظهر كذبه، أولم يظهر شيء، فإن ظهر كذبه أولم يظهر شيء وبقي على شكه أو ظنه الضعيف فإنه يكون آثماً كتعمد الكذب تماماً، أما إن ظهر صدقه فقد اختلف فيه قولين:
الأول: أنه يكون حينئذ باراً في يمينه ولا إثم عليه.