الفقه علی المذاهب الاربعة-ج2-ص621
وكذلك نهت الشريعة نهياً شديداً عن الميسر “القمار” فُحرمته بجميع أنواعه، وسددت في وجه المسلمين سبله ونوافذه، وحذرتهم من الدنو من أي ناحية من نواحيه، ولكنها أباحت أخذ الجعل في المسابقة “الرهان” تغليباً لمنفعتها العامة التي تقتضيها الضرورة في كثير من الأحيان، ذلك لأن الشريعة الإسلامية الكريمة لا غرض لها من التشريع إلا جلب المصلحة ودرء المفسدة على الدوام، وإنما يصح عقد الجعل “الرهان” بشروط مفصلة في المذاهب
(المالكية – قالوا: يشترط لصحة عقد المسابقة أمور:
أولاً: أن يعين المكان الذي يبدأ منه والمكان الذي ينتهي إليه، ولا يشترط المساواة في المسافة، بل يصح أن تكون إحدى المسافتين أقصر من الأخرى.
ثانياً: أن يعين المركب من خيل أو إبل، ولا يكفي الوصف بل لا بد من تعيين ما به السبق.
ثالثاً: أن يكون الجعل معلوماً فلا يصح بالجعل المجهول أو بالجعل الذي لا يصح بيعه كالخمر والخنزير والميتة، ويصح بخياطة ثوب، أو عمل معروف، أو عفوعن جناية ونحو ذلك مما فيه معاوضة.
رابعاً: إن كانت المسابقة بالرمي يشترط أن يعين الرامي، وأن يعين عدد إصابة الغرض، وأن يعين نوع الإصابة إن كانت تثقب الهدف وإن لم يثبت فيه السهم أو تثقبه مع ثبوت السهم فيه ونحو ذلك. ولا يشترط تعيين السهم الذي يرمى به رؤية أو وصف، ولا تعيين الوتر، وهوعقد لازم ليس لأحد العاقدين حله، ويشترط فيه ما يشترط في عقد الإجارة من تكليف العاقد ورشده. ولا يشترط تعيين السهام فلكل واحد أن يرمي بما يشاء.
ويشترط أن يجهل كل منهما جري فرس صاحبه، ويشترط أن يكون الجعل من شخص آخر متبرع غير المتسابقين، فإذا عين شخص مالاً أو غيره مكافأة لمن يسبق بفرسه أو جمله فإنه يحل للسابق أخذه، أما الجعل الذي يخرجه أحد المتسابقين دون الآخر كأن يعين أحد المتسابقين مالاً أو غيره ليأخذه الآخر إن سبق ولم يعين الآخر شيئاً، فإن سبق الذي لم يعين شيئاً حل له أخذ الجعل، وإن سبق مخرج الجعل فلا يحل له أخذ ماله الذي أخرجه، بل يأخذه الحاضرون، أما إذا أخرج كل واحد منهما مالاً معيناً يأخذه الثاني إن سبق فإنه لا يصح، لأنه يكون قماراً في هذه الحالة، وإذا أخرج كل من المتسابقين مالاً ليأخذه السابق وكان معهما ثالث لم يخرج شيئاً فلا يخلو: إما أن تكون حالة جري فرسه معلومة وأنه يسبق الاثنين اللذين أخرجا “الرهان” أولم يسبقهما. فإن كان الأول: فلا يصح له أخذ الرهان لحديث: “من أدخل فرساً بين فرسين وهو يعلم أنه يسبقهما فهوقمار، وإن كان الثاني فقد صار مسبوقاً. وأصبح السابق أحد الاثنين اللذين أخرجا الجعل فلايحل له أن يأخذه.