الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص578
الشافعية قالوا: الذكاة الشرعية هي قطع الحلقوم والمريء جميعاً، فلو بقي شيء منهما لم يحل المذبوح، ويشترط أن يكون في الحيوان حياة مستقرة قبل ذبحه إن وجد سبب يحال عليه الهلاك، وإلا فلا يشترط وجودها، فالمريض بغير سبب يحال عليه الهلاك لو ذبح أخر رمق حل، وإن لم يسل الدم ولم توجد حركة عنيفة، والمراد بالحياة المستقرة ما يوجد معها الحركة الاختيارية بقرائن يترتب عليها غلبة الظن بوجود الحياة. ومن أمارتها انفجار الدم بعد قطع الحلقوم والمريء، أو الحركة الشديدة ولا فرق بين أن يكون قطع الحلقوم والمريء من تحت الجوزة المعروفة أو من فوقها. لكن بشرط أن يبقى منها تديرتان كاملتان: إحداهما: من الأعلى، والثانية: من أسفل وإلا لم يحل المذبوح، لأنه حينئذ يسمى فرعاً لا ذبحاً. أما قطع الودجين فهو سنة، ولو قطع الرأس كله كفى، ولكن يكره على المعتمد، وإنما يشترط الذبح بهذه الصفة في الحيوان المستأنس المقدورة عليه، أما غير المستأنس: كغنم، وبقر توحش، وبعير نفر، وغزال في الصحراء، وبهيمة سقطت في بئر ولا يمكن الوصول إلى ذبحها: فذكاته عقره في أي موضع من بدنه بشيء يجرح: ينسب إليه زهوق الروح. فلا ينفع العقر بحافر أو خف: ولا بخدش الحيوان خدشة لطيفة. ويشترط لحل الدبح شروط: أولاً: قصد العين أو الجنس. فلو رمى شيئاً ظنه حجراً أو حيواناً لا يؤكل. فظهر أنه حيوان يؤكل حل أكله، لأنه كان يقصد عيناً، وكذا لو رمى قطيع ظباء. فأصاب واحدة منها، أو قصد واحدة فأصاب غيرها، حل المرمي لقصد جنسه، فإذا لم يقصد العين أو الجنس لا يحل لحيوان. فإذا وقعت منه السكين فأصابت حيواناً فذبح. أو احتك بسكين فانذبح. أو صال أحد بسيفه فأصاب مذبح حيوان لا يحل المذبوح لعدم القصد: ثانياً: أن يكون الإسراع بإزهاق روح اليحوان متمحضاً لقطع الحلقوم والمريء، فلو أخذ واحد في قطعها، وأخذ الثاني في نزع الأمعاء، أو نخس الخاصرة لم يحل ثالثاً: وجود الحياة المستقرة قبل الذبح حيث وجد سبب يحال عليه الهلاك، فإذا جرح حيوان، أو سقط عليه سقف أو نحوه، وبقيت فيه حياة مستقرة، فذبح حل، وهي ما عرفت بشدة الحركة، أو انفجار الدم، وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا فلا يحل لوجود سبب يمكن أن يسند إليه الهلاك، وهو الجرح، أو سقوط السقف ولا يشترط تيقن الحياة المستقرة؛ بل يكفي ظن وجودها، وإذا وصل الحيوان قبل الذبح إلى حالة فقد معها الإبصار والحركة الاختيارية بسبب مرض أو وجع ثم ذبح، فإنه يحل، ولو لم ينفجر الدم، أو يتحرك الحركة العنيفة، أما إذا أكل الحيوان طعاماً انتفخ به حتى صار في آخر رمق، ثم ذبح فإنه لا يحل على المعتمد ما لم توجد الحركة الشديدة أو انفجار الدم، رابعاً: أن يكون المذبوح مما يحل أكله، فلا يجوز ما لا يحل، ولو لإراحته عند تضرره من الحياة، خامساً: أن يكون القطع بمحدد، ولو من قصب، أو خشب، أو ذهب، أو فضة، إلا السن والظفر وباقي العظام، فإنه لا تحل الذكاة بها، فإذا قتل الحيوان بغير محدد بأن ضرب ببندقية، أو سهم بلا نصل ولاحد، أو خنق بشرك فمات، فإنه يحرم في كل ذلك؛ سادساً: أن يكون القطع دفعة واحدة، فلو قطع الحلقوم وسكت، ثم تمم الذبح، فإن كان الفعل الثاني منفصلاً عن الأول عرفاً اشترط أن تكون في الحيوان المستقرة، وذلك كأن رفع السكين وأعادها فوراً، أو ألقاها لكونها لا تقطع وأخذ غيرها فوراً أو سقطت منه فتناولها، أو أخذ غيرها سريعاً، أو قلبها وقطع بها ما بقي، فكل ذلك جائز، إذ لا فصل فيه بين العمل الأول والثاني، سابعاً: أن لا يكون الذابح محرماً والمذبوح صيد بري وحشي؛ فإن كان كذلك فلا يحل المذبوح، ثامناً: أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً، لا مجوسياً ولا وثنياً، ولا مرتداً، فتحل ذكاة اليهودي والنصراني، كالمسلم، كما لا تحل ذكاة المجنون والسكران وغير المميز. ولو في الحيوان الذي لا يقدر عليه على الراجح، لكن مع الكراهة: وكذلك تكره ذكاة الأعمى، ولا تشترط التسمية، وإنما تسن، وإذا ذكر اسم اللّه مقترناً باسم غيره، كأن قال: بسم اللّه، واسم محمد؛ فإن أراد الإشراك كفر، وحرمت الذبيحة؛ وإن لم يرد الإشراك حلت الذبيحة، ولكن يكره إن قصد التبرك؛ ويحرم إن أطلق لإبهام الشريك.
(يتبع…)
(تابع… 1): الذكاة – بالذال – ذبح أو نحر أو عقر حيوان مباح للأكل، بشرائط مفصلة في… …
الحنابلة قالوا: الذكاة شرعاً هي ذبح حيوان مقدور عليه مباح أكله يعيش في البر أو نحوه إلا الجراد ونحوه؛ مما لا يذبح أو ينحر؛ وتتحقق الذكاة الشرعية بقطع الحلقوم والمريء، والحلقوم مجرى النفس، والمريء – وهو البلعوم – مجرى الطعام والشراب؛ والنحر يكون في الليلة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يشترط قطع الودجين، وهما عرقان محيطان بالحلقوم؛ ولكن الأولى فيجرحه ويميته؛ فيحل أكله كالصيد. فإذا نفر بعير فلم يقدر عليه. أو سقط حيوان مباح الأكل في بئر وتعذر ذبحه فعقر. حل أكله بشرط أن يموت بالجرح الذي قصد به عقره. فإن مات بغيره فلا يحل أكله ولو كان الجرح موجباً لقتله، ويشترط أيضاً أن تتوفر شروط الذابح فيمن رماه: فلو رماه مجوسي لا يصح أكله ويشترط لحل الذبيحة أربعة شروط الشرط الأول: أن يقول بسم اللّه عند حركة يده بالذبح أو النحر أو العقر. ولا يقوم شيء مقام التسمية. فلو سبح اللّه لا يجزئ وتجوز بغير العربية. ولو مع القدرة على العربية، ويسن أن يكبر مع التسمية. فيقول: بسم اللّه واللّه أكبر. فإن كان الذابح أخرس أومأ برأسه إلى السماء. وأشار إشارة تدل على التسمية. بحيث يفهم منها أنه أراد التسمية. وهذا كاف في حل ذبيحة الأخرس. فإذا تركت التسمية عمداً أو جهلاً لم تبح الذبيحة، لقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه