الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص558
الشافعية قالوا: إذا طلع فجر يوم النحر قبل حضور المحرم في جزء من أرض عرفة فاته الحج، ويجب به الدم على من كان محرماً بالحج فقط، أو كان قارناً، ويجب على من فاته الوقوف بعرفة أن يتحلل بعمل عمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف بنية التحلل، فيطوف ويسعى إن لم يكن سعى، ويسقط عنه بفوات الحج المبيت بمنى وبمزدلفة ورمي الجمار، ويحلق من غير نية العمرة، ولا تغني هذه العمرة عن عمرة الإسلام، وعليه القضاء فوراً من قابل، ولو فاته بعذر ولو كان الحج نفلاً، ولو كان غير مستطيع؛ ولو كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، ويلزمه مع القضاء دم كدم التمتع، وقد تقدم، ولا يصح ذبحه في سنة الفوات، فإن كان قارناً وفاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء: دم للفوات، ودم للقران، ودم له أيضاً في القضاء، وإن أفرد في القضاء لأنه التزم القران بالإحرام؛ أما لو نشأ الفوات عن حصر، كمن أحصر عن إتمام نسك من حج أو عمرة بعدوٍّ، أو حبس من أمير ونحوه ظلماً، أو بدّين لا يتمكن من أدائه، وليس له بينة تشهد بإعساره، ولم يغلب على ظنه انكشاف المانع في مدة يمكنه إدراك الحج فيها إن كان حاجاً، أو في ثلاثة أيام إن كام معتمراً، فإنه إذا أراد التحلل تحلل بالذبح؛ ثم الحلق بنية التحلل بهما إن كان واجداً للدم، وبالحلق فقط إن لم يجد دماً، ولا طعاماً لإعسار أو غيره بنية التحلل، والأولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل، وكذا للحاج إن اتسع الوقت، وإلا فالأولى التعجيل لخوف الفوات، نعم يمتنع تحلله إن كان في الحج، وغلب على ظنه زوال الحصر في مدة يمكنه إدراك الحج بعدها، أو في العمرة وتيقن قرب زوال المانع في ثلاثة أيام، ومن الأعذار المجوزة للتحلل المرض. فإنه إن شرط التحلل بذلك عند ابتداء الإحرام. كأن قال في حال النية: إذا مرضت فأنا حلال، يصير حلالاً بمجرد المرض، وأما إن قال: إن مرضت تحللت فإن كان شرطه في تحلله الهدي تحلل بذبح، ثم حلق بنية التحلل فيهما، ونفاذ النفقة، ويذبح المحصر حيث أحصر ولو في غير الحرم، أو يرسل إلى الحرم ليذبح فيه لكنه لا يتحلل حتى يعلم بنحره؛ ولا يرسل الدم إلى غير الحرم، فلو أحصر في الحرم تعين الذبح فيه، ثم إن كان نسكه تطوعاً فلا قضاء عليه، وإن كان فرضاً بقي في ذمته على ما كان عليه من قبل، وإن أحصر ومنع من عرفة دون مكة وجب عليه دخولها، والتحلل بعمرة، وإن منع من مكة دون عرفة وقت وتحلل، ولا قضاء فيهما على الأظهر، والواجب بالإحصار شاة تجزئ في الأضحية؛ فإن عجز حساً أو شرعاً أخرج بقيمة الشاة طعاماً تجزئ في الفطرة، وفرقه على مساكين ذلك المحل، فإن عجز عنه صام عن كل مدّ يوماً، ولا تجب الفدية لعدم تعديه.
المالكية قالوا: الإحصار هو المنع من أداء النسك، كأن يمنع المعتمر من دخول مكة كما وقع عام الحديبية حين صد المشركون النبي صلى اللّه عليه وسلم ومنعوه من دخول مكة بعد أن أحرم بالعمرة، وكأن يمنع الحاج من الطواف بالبيت. أو السعي بين الصفا والمروة، أو من الوقوف بعرفة، أو من جميع ذلك سواء كان المنع ظلماً كأن يحول الكفار بين المسلمين وبين مكة، أو تقع فتنة بين المسلمين بعضهم مع بعض، فتتغلب الفئة الباغية وتحول بين الناس وبين الأرض المقدسة – مكة وما حواليها من مواطن النسك – أو كان المنع بحق، كأن يماطل المدين في أداء ما عليه من الدين مع القدرة عليه؛ فيحبس ليؤدي ما عليه، والفوات هو عدم أداء الحج بعدم التمكن من عرفة لمرض منعه من الوقوف بها، أو لخطأ أهل الموسم، كأن يقفوا في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولم يعلموا خطأهم حتى مضى وقت الوقوف، وهو ليلة العاشر؛ كما سبق، ولا يتأتى فوات الحج إلا بذلك، لأن الحاج متى أدرك عرفة فقد أدرك الحج فإن ما يبقى بعد الوقوف من الطواف والسعي يصح في كل وقت، وليس له وقت معين من كان معتمراً ومنع عن مواضع النسك، أو كان محرماً بالحج ومنع من البيت الحرام وعرفة معاً؛ فإن كان المنع ظلماً فالأفضل له أن يتحلل من إحرامه بالنية، بأن ينوي الخروج من الإحرام، ومتى نوى ذلك صار حلالاً، فلا يحرم عليه مباشرة النساء، ولا التعرض للصيد، ولا التطيب؛ ولا غير ذلك مما يحرم على المحرم، ويسن للمتحلل أن يحلق، وإن كان معه هدي فينحره بمكانه الذي هو به إن لم يتيسر له بعثه بمكة؛ وإلا بعثه؛ وإن لم يكن معه هدي فلا يجب عليه، وقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي