الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص516
يسن له أن يغتسل لدخول مكة، وهذا الغسل للنظافة لا لطواف القدوم، باتفاق ثلاثة من الأئمة ولذا يطلب من الحائض والنفساء عندهم، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (المالكية قالوا: الغسل لدخول مكة مندوب لا سنة. وهو للطواف بالبيت لا للنظافة فلا تفعله الحائض ولا النفساء، لأنهما ممنوعتان من الطواف، لأن الطهارة شرط فيه، كما يأتي، ويندب أن يدخل مكة نهاراً في وقت الضحى، فإن قدم ليلاً بات بمكان يعرف بذي طوى، وأخر الدخول للغد إذا ارتفع النهار، ولم ينصوا على طلب الدعاء عند رؤية البيت، سواء كان الدعاء خاصاً أو عاماً)، ويستحب له أن يدخلها نهاراً، وأن يكون دخوله من أعلاها، ليكون مستقبلاً للبيت تعظيماً له، وأن يكون دخوله من بابها المعروف – بباب المعلى – وإذا دخلها بدأ بالمسجد الحرام بعد أن يأمن على أمتعته، ويندب له أن يدخل المسجد من باب السلام نهاراً، ملبياً متواضعاً خاشعاً، وأن يرفع يديه عند رؤية البيت، ويكبر ويهلل، ويقول: اللّهم زد هذا البيت. تشريفاً وتعظيماً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وزد من عظمته وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية يقولون: يكره له رفع يديه، وهو يدعو، ولفظ الدعاء الوارد: “اللّهم أنت السلام، ومنك السلام: فحينا ربنا بالسلام”، ويدعو بعد ذلك بما شاء، وبعد ذلك يطوف القدوم المذكور، وإنما يسن هذا الطواف للمحرم بشرطين؛ أحدهما: أن يكون قادماً من خارج مكة، ولهذا يسمى طواف القدوم، الشرط الثاني: أن يتسع له الوقت، وإلا ذهب للوقوف وتركه إذا ظن أنه يعطله عن الوقوف.
5 الركن الثاني من أركان الحج: طواف الإفاضة
أنواع الطواف ثلاثة: النوع الأول: الطواف الركن، فمن لا يفعله يبطل حجة، ويقال له: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة. النوع الثاني: الطواف الواجب: وهو طواف الزيارة؛ ويسمى طواف الصدر، النوع الثالث: الطواف المسنون، وهو طواف القدوم المتقدم ذكره فلنتكلم فيها، ولنبدأ بالكلام في طواف الإفاضة، الذي هو ركن من أركان الحج.
6 تعريف طواف الإفاضة
طواف الإفاضة، ويقال له: طواف الزيارة ركن من أركان الحج الأربعة المتقامة، باتفاق المذاهب، فإذا لم يفعله الحاج بطل حجه وهو سبعة أشواط بكيفية خاصة ستعرفها قريباً، وقال الحنفية: إن الطواف الركن هو أربعة أشواط، فمتى طاف أربعة أشواط فقد حصل الركن، أما باقي السبعة فإنه واجب لا ركن، وذلك لأن طواف الأشواط الربعة هو طواف لأكثر الأشواط؛ وللأكثر حكم الكل.
6 وقت طواف الإفاضة
وقت طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج اختلفت في تحديده المذاهب؛ فانظره تحت الخط (الحنفية قالوا: وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النحر إلى آخر العمر بعد الوقوف بعرفة، فمتى وقف الحاج بعرفة طولب بطواف الإفاضة؛ أما إذا لم يقفبعرفة في وقته الآتي بيانه؛ فإن طواف الإفاضة لم يصح منه؛ ويبطل حجه، ويشترط أن يطوف في أشهر الحج المعلومة، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فإذا وقف بعرفة في شهر ذي الحجة، ولم يطف طواف الإفاضة حتى فرغ ذلك الشهر كان عليه أن يطوفه في هذه الأشهر في سنة أخرى.
المالكية قالوا: إن وقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره الحاج عن ذلك الوقت لزمه دم وصح حجة، ولا يصح طواف الإفاضة قبل يوم العيد، أما وقت الوقوف بعرفة فإنه لا يصح قبل وقته ولا بعده، كما يأتي في مبحثه.
الشافعية قالوا: طواف الإفاضة، أو طواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج، أول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر، ولا آخر لوقته، بل له أن يؤخره إلى أي وقت شاء، ولكن لا تحل له النساء إلى أن يطوف، كما لو كان محرماً، فإذا طاف تم له التحلل من الإحرام؛ وحلت له النساء، ولم يبق عليه سوى رمي أيام التشريق، والمبيت بمنى، وهي واجبات يطالب بها بعد زوال الإحرام على سبيل التبعية لأعمال الحج.