پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص451

قد عرفت ما يوجب القضاء والكفارة، وبقي الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة، وما لا يفسد الصيام أصلاً، وهو أمرو كثيرة، مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (الحنفية قالوا: ما يوجب القضاء دون الكفارة ثلاثة أشياء: الأولى: أن يتناول الصائم ما ليس فيه غذاء أو ما في معنى الغذاء، وما فيه غذاء هو ما يميل الطبع إلى تناوله، وتنقضي شهوة البطن به، وما في معنى الغذاء هو الدواء، الثاني: أن يتناول غذاء أو دواء لعذر شرعي، كمرض أو سفر أو إكراه، أو خطأ، كأن أهمل وهو يتمضمض، فوصل الماء إلى جوفه، وكذا إذا داوى جرحاً في بطنه أو رأسه، وصل الدواء إلى جوفه أو دماغه، أما النسيان فإنه لا يفسد الصيام أصلاً، فلا يجب به قضاء ولا كفارة، الثالث: أن يقضي شهوة الفرج غير كاملة، ومن القسم الأول ما إذا أكل أرزاً نيئاً، أو عكيناً، أو دقيقاً غير مخلوط بشيء يؤكل عادة، كالسمن والعسل، وإلا وجبت به الكفارة، وكذا إذا أكل طيناً غير أرمني إذا لم يعتد أكله أما الطين الأرمني وهو معروف عند العطارين فإنه يوجب الكفارة مع القضاء، أو أكل ملحاً كثيراً دفعة واحدة، فإن ذلك مما لا يقبله الطبع، ولا تنقضي به شهوة البطن. أما أكل القليل منه، فإن فيه الكفارة مع القضاء، لأنه يتلذذ به عادة، وكذا إذا أكل نواة أو قطعة من الجلد أو ثمرة من الثمار التي لا تؤكل قبل نضجها كالسفرجل إذا لم يطبخ أو يملح، وإلا كانت فيه الكفارة، وكذا إذا ابتلع حصاة، أو حديدة، أو درهماً، أو ديناراً: أو تراباً، أو نحو ذلك، أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة من الدبر، أو الأنف، أو قبل المرأة، وكذا إذا صب في أذنه دهناً، بخلاف ما إذا صب ماء، فإنه لا يفسد صومه على الصحيح، لعدم سريان الماء، وكذا دخل فمه مطر أو ثلج، ولم يبتلعه بصنعه، وكذا إذا تعمد إخراج القيء من جوفه، أو خرج كرهاً وأعاده بصنعه، بشرط أن يكون ملء الفم في الصورتين، وأن يكون ذاكراً لصومه، فإن كان ناسياً لصومه لم يفطر في جميع ما تقدم، وكذا إذا كان أقل من ملء الفم على الصحيح، وإذا أكل ما بقي من نحو تمرة بين أسنانه إذا كان قدر الحمصة وجب القضاء؛ فإن كان أقل فلا يفسد، لعدم الاعتداد به، وكذا إذا تكون ريقه ثم ابتلعه، أو بقي بلل بفيه بعد المضمضة وابتلعه مع الريق، فلا يفسد صومه، وينبغي أن يبصق بعد المضمضة قبل أن يبتلع ريقه، ولا يشترط المبالغة في البصق، ومن القسم الثاني – وهو ما إذا تناول غذاء؛ أو ما في معناه لعذر شرعي – إذا أفطرت المرأة خوفاً على نفسها أن تمرض من الخدمة، أو كان الصائم نائماً، وأدخل أحد شيئاً مفطراً في جوفه، وكذا إذا أفطر عمداً بشبهة شرعية؛ بأن أكل عمداً بعد أن أكل ناسياً أو جامع ناسياً، ثم جامع عامداً، أو أكل عمداً بعد الجماع ناسياً، وكذا إذا لم يبيت النية ليلاً ثم نوى نهاراً، فإنه إذا أفطر لا تجب عليه الكفارة لشبهة عدم صيامه عند الشافعية، وكذا إذا نوى الصوم ليلاً. ولم ينقص نيته، ثم أصبح مسافراً، ونوى الإقامة بعد ذلك ثم أكل لا تلزمه الكفارة وإن حرم عليه الأكل في هذه الحالة وكذا إذا أكل، أو شرب، أو جامع شاكاً في طلوع الفجر، وكان الفجر طالعاً، لوجود الشبهة. أما الفطر وقت الغروب. فلا يكفي فيه الشك لإسقاط الكفارة بل لا بد من غلبة الظن على إحدى الروايتين. ومن جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع عليه الفجر فإن نزع فوراً لم يفسد صومه. وإن بقي كان عليه القضاء والكفارة. ومن القسم الثالث – وهو ما إذا قضى ضهوة الفرج غير كاملة – ما إذا أمنى بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى؛ أو أمنى بفخذ أو بطن أو عبث بالكف، أو وطئت المرأة وهي نائمة أو قطرت في فرجها دهناً ونحوه فإنه يجب في كل هذا القضاء دون الكفارة. ويلحق بهذا القسم ما إذا أدخل إصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره واستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره، وإنما يفسد ما دخل في الدبر إذا ما وصل إلى محل الحقنة ولم يبق منه شيء. أما إذا بقي منه في الخارج شيء بحيث لم يغب كله لم يفسد صومه وكذلك المرأة إذا أدخلت إصبعها مدهونة بماء أو دهن في فرجها الداخل. أو أدخلت خشبة الحقنة أو نحوها في داخل فرجها، وغيبتها كلها. ففي كل هذه الأشياء ونحوها يجب القضاء دون الكفارة.

هذا، ولا يفسد صومه لو صب ماء أو دهناً في إحليله للتداوي، وكذا لو نظر بشهوة فنزل مني بشهوة ولو كرر النظر. كما لا يفطر إذا أمنى بسبب تفكره في وقاع ونحوه، أو احتلم، ولا يفطر أيضاً بشم الروائح العطرية كالورد والنرجس، ولا بتأخير غسل الجنابة حتى تطلع الشمس، ولو مكث جنباً كل اليوم. ولا يفطر بدخول غبار طريق، أو غربلة دقيق؛ أو ذباب، أو بعوض إلى حلقة رغماً عنه.

المالكية قالوا: من تناول مفطراً من الأمور المفسدة للصوم المتقدمة، ولم تتحقق فيه شرائط وجوب الكفارة السابة فعليه القضاء فقط، سواء كان الصائم في رمضان أو في فرض غيره كقضاء رمضان، والكفارات، والنذؤ غير المعين، وأما النذر المعين فإن كان الفطر فيه لعذر، كمرض واقع أو متوقع. بأن ظن أن الصوم في ذلك الوقت المعين يؤدي إلى مرضه، أو خاف من الصوم زيادة المرض، أو تأخر البرء، أو كان الفطر لحيض المرأة، أو نفاسها، أو لإغماء، أو جنون، فلا يجب قضاؤه، نعم إذا بقي شيء من زمنه بعد زوال المانع تعين الصوم فيه، أما إذا أفطر فيه ناسياً، كأن نذر صوم يوم الخمس فصام الأربعاء، يظنه الخميس، ثم أفطر يوم الخميس فعليه القضاء.

هذا، ومن الصيام المفروض، صوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي، فإن أفطر أحدهما فيهما وجب عليه القضاء.