پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص318

الحنفية قالوا: يسن للخطبة أمور: بعضها يرجع إلى الخطيب، وبعضها يرجع إلى نفس الخطبة، فيسن للخطيب أن يكون طاهراً من الحدثين الأكبر والأصغر؛ فإن لم يكن كذلك صحت مع الكراهة، ويندب إعادة خطبة الجنب إن لم يطل الفصل، وأن يجل الخطيب على المنبر قبل الشروع في الخطبة، وأن يخطب وهو قائم، فلو خطب قاعداً أو مضطجعاً أجزأه مع الكراهة، وأن يعتمد على سيف متكئاً عليه بيده اليسرى في البلاد التي فتحت عنوة، بخلاف البلاد التي فتحت صلحاً، فإنه يخطب فيها بدون سيف، وأن يستقبل القوم بوجهه فلا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يخطب خطبتين إحداهما سنة والأخرى شرط لصحة الجمعة: كما تقدم، وأن يجلس بينهما بقدر ثلاث آيات على المذهب، فلو ترك الجلوس أساء، وأن يبدأ الأولى منهما بالتعوذ في نفسه، ثم يجهر فيها بالحمد للّه والثناء عليه بما هو أهله؛ والشهادتين، والصلاة والسلام صلى اللّه عليه وسلم، والعظة بالزجر عن المعاصي، والتخويف والتحذير مما يوجب مقت اللّه تعالى وعقابه وسبحانه والتذكير بما به النجاة في الدنيا والآخرة، وقراءة آية من القرآن، ويبدأ الثانية بالحمد للّه والثناء عليه. والصلاة والسلام على رسوله، ويدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات، ويستغفر لهم، أما الدعاء للملك والأمير بالنصر والتأييد والتوفيق لما فيه مصلحة رعيته ونحو ذلك فإنه مندوب، لأن أبا موسى الأشعري كان يدعو لعمر في خطبته، ولم ينكر عليه أحد من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم.

ويسن للخطيب أيضاً أن يجلس في ناحية خلوته، ويكره له أن يسلم على القوم، وأن يصلي في المحراب قبل الخطبة، وأن يتكلم في الخطبتين بغير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

4 مكروهات الخطبة

مكروهات الخطبة هي ترك سنة من السنن المتقدمة، فمن ترك سنة من سنن الخطبة فإنه يكره له ذلك باتفاق الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة فلهم في ذلك تفصيل ذكرناه تحت الخط (الحنابلة قالوا: إن ترك السنن المتقدمة منه ما هو مكروه، ومنه ما هو خلاف الأولى، فمن المكروه استدبار القوم حال الخطبة، ورفع يديه حال الدعاء فيه).

4 الترقية بين يدي الخطيب

يبتدع بعض الناس أن يتكلموا بين يدي الخطيب بقوله تعالى: إن اللّه وملائكته يصلون على النبي

الآية، ويزيدون عليها أنشودة طويلة، ثم إذا فرغ المؤذن الذي يؤذن بين يديه يقول: “إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت، فقد لغوت” الحديث: ثم يقول بعد ذلك: أنصتوا تؤجروا، وكل هذا بدعة لا داعي إليها، ولا لزوم لها، خصوصاً ما يعلنه ذلك المؤذن من الجهل بمعنى الحديث، لأنه يأمر بالانصات وعدم الكلام، ثم يتكلم هو بعده بقوله: أنصتوا تؤجروا، ولا أدري ما هو الداعي لهذه الزيادة التي لم يأمرنا بها الدين، وقواعده تأباها، لأن الغرض في هذا المقام إظهار الخضوع والخشوع للّه عز وجل، فكل تهويش أو كلام سوى كلام الخطيب لغو فاسد لا قيمة له، وقد وافق على هذا المالكية، والحنفية على المعتمد عندهم، وإليك تفصيل المذاهب في ذلك تحت الخط (المالكية قالوا: الترقية بدعة مكروهة لا يجوز فعلها، إلا إذا شرطها واقف في كتاب وقفه.

الحنفية قالوا: إن الكلام بعد خروج الإمام من خلوته إلى أن يفرغ من صلاته مكروه تحريماً، سواء كان ذكراً أو صلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، أو كلاماً دنيوياً، وهذا هو مذهب الإمام، وهو المعتمد. وبذلك تعلم أن الترقية وكل كلام مكروه تحريماً في هذا المقام، وقال صاحباه: لا يكره الكلام كذلك إلا حال الخطبة، أما بعد خروج الإمام من خلوته وحال جلوسه على المنبر ساكتاً فلا يكره الكلام، وإنما تكره الصلاة، وعلى هذا فلو تكلم بذكر أو صلاة على النبي بدون تهويش، فإنها تجوز عندهما، وعلى كل حال فالترقية بهذه الكيفية بدعة مكروهة في نظر الحنفية، وتركها أحوط على كل حال.