پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص308

الحنابلة قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شرائط الصلاة المتقدمة إلى شروط وجوب. وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم، فمنها الشروط التي ذكرت عند المالكية، والشافعية، والحنفية، ومنها الحرية، فلا تجب على العبد، والذكورة، فلا تجب على الإناث، وتصح منهم إذا حضروها، ومنها عدم العذر المبيح لتركها، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، أما إذا قدر ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، ومثل المريض المقعد، ومنها أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى ولو وجد قائداً؛ إلا إذا أمكنه أن يستند إلى حبل متصل بمسجد الجمعة، ومنها أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، أو وقت مطر ووحل شديدين كذلك، ومنها أن يخاف من حبس ونحوه، وهو مظلوم لا ظالم، ومنها أن يخاف على مال من الضياع، أو يخاف على عرض أو نفسه، ويشترط أن يكون ضياع المال مجحفاً به، ومنها الإقامة ببناء يشمله اسم واحد كمصر، فكل القاطنين في مدينة مصر تجب عليهم الجمعة، ولو كان بينهم وبين المحل التي تقام فيه فراسخ كثيرة، لأنها مدينة واحدة لها اسم واحد، أما الجهات التي لها أسماء خاصة بها، كعين شمس، ومصر الجديدة، والزيتون ومعادي الخبيري، ونحو ذلك، فإن كل جهة منها مستقلة بنفسها في هذا الشرط، بحيث لا تجب الجمعة إلا على من كان متوطناً بها إذا كانت الجمعة تقام فيها، فإن لم تكن بها مساجد تقام فيها الجمعة، ولكن بجوارها جهة أخرى تقام فيها الجمعة، فإنه يجب أن يذهب إلى الجهة التي تقام فيه الجمعة، بشرط أن تكون بين الجهتين مسافة فرسخ فأقل. أما إذا كانت المسافة أكثر فإن الجمعة لا تجب، وقد عرفت حد الفرسخ فيما مضى من مذهب الحنفية، ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ وأقل مسافة السفر المعتبرة عند الحنابلة أن يكون بين المسافر وبين المحل التي تقام فيه الجمعة فرسخ فأقل، وإلا فلا تجب عليه؛ وأما شروط صحة الجمعة فهي أربعة: أحدها. دخول الوقت، فلا تصح قبله ولا بعده، ولكن وقت الجمعة عندهم كوقت صلاة العيد، فمتى طلعت الشمس وارتفعت بمقدار ما تحل فيه الصلاة النافلة. فإن صلاة الجمعة تبتدئ عندهم، وقد تقدم توضيح مذهبهم في مبحث “وقت الجمعة” فارجع إليه أن شئت، ثانيها: أن يكون مقيماً بمدينة أو قرية على الوجه المتقدم ذكره في شروط الوجوب، فلا تصح الصلاة عندهم في صحراء أو خيمة أو نحو ذلك، خلافاً للحنفية الذين قالوا: تصح في الصحراء، ثالثها: أن يحضرها أربعون فأكثر بالإمام، وإن كان بعضهم أخرس، أما إن كانوا كلهم كذلك فإن الجمعة لا تصح، رابعها: الخطبتان بشروطهما وأحكامهما)، ثم نبين المتفق عليه، والمختلف فيه.

4 حضور النساء الجمعة

قد عرفت أن الذكورة شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المرأة، ولكن تصح منها إذا صلتها بدل الظهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلي الجمعة، أو تصلي الظهر في بيتها؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها.

المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد.

الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين: الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛ الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب.

الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً)، أما غير المرأة ممن تجب عليهم الجمعة، كالعبد، فإنه يستحب له حضور الجمعة.

4 تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة

الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم، فتتوثق بينهم روابط الإلفة، وتقوى صلات المحبة، وتحيا في أنفسهم عاطفة الرحمة والرفق، وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة المودة والإخاء، فيعين قويهم ضعيفهم، ويساعد غينيهم فقيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويشعرون جميعاً بأنهم عبيد اللّه وحده، وأنه هو الغني الحميد، ذو السلطان القاهر، والعظمة التي لا حد لها.