پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص198

اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يفترض على المصلي أن يجلس بين كل سجدتين من صلاته، فلو سجد مرة، ثم رفع رأسه، ولم يجلس، وسجد ثانياً، فإن صلاته لا تصح، وخالف الحنفية في ذلك، فقالوا: إن الجلوس بين السجدتين ليس فرضاً في الصلاة فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: الجلوس بين السجدتين ليس بفرض. وهل هو واجب أقل من الفرض أو سنة غير مؤكدة؟ فبعضهم يقول: إنه واجب. وهو ما يقتضية الدليل. وبعضهم يقول: إنه سنة). وقد استدل القائلون بفرضية الجلوس بين السجدتين وغيره من الفرائض المتقدمة بما رواه البخاري، ومسلم من أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً يصلي صلاة ناقصة، فعلمه كيف يصلي فقال له: “إذا قمت إلى الصلاة فكبر. ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن” وفي بعض الروايات “فاقرأ بأم القرآن” وقال: “ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً. ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً. ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛ ثم ارفع حتى تعتدل قائماً. ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً. ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛ ثم افعل ذلك في صلاتك كلها” وقد عرفت أن الحنفية لم يوافقوا على أن الجلوس فرض، وكذا لم يوافقوا على أن قراءة الفاتحة فرض، وقالوا: إن الحديث المذكور لا يدل على الفرضية، وإنما يدل على أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يريد تعليم الرجل الصلاة الكاملة المشتملة على الفرائض والواجبات والسنن، وليس المقام محتملاً للشرح والبيان. ولهذا لم يذكر في الحديث النية والقعود الأخير، مع أنه فرض باتفاق، وكذلك لم يذكر التشهد الأخير مع أنه فرض عند بعض الأئمة، وكذلك لم يشتمل الحديث على أشياء كثيرة كالتعوذ ونحوه. فدل ذلك كله على أن الغرض إنما هو تعليم الرجل كيفية الصلاة بطريق عملي، حتى إذا تعلمها أمكنه أن يفهم ما هو فرض وما هو واجب أو مسنون، أما الأئمة الآخرون فقد قالوا: إن طلب هذه الأعمال من الرجل دليل على فرضيتها، وإنما لم يذكر له باقي الفرائض، لأن الرجل قد أتى بها، وهذا حسن إذا دل عليه دليل في الحديث، ولكن أين الدليل؟ على أن الاحتياط إنما هو في اتباع رأي الأئمة الثلاثة، خصوصاً أن الحنفية قالوا: إنها واجبة بمعنى أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم، كما تقدم.

3 واجبات الصلاة

ذكرنا غير مرة أن المالكية، والشافعية اتفقوا على أن الواجب والفرض بمعنى واحد، فلا يختلف معناهما الا في “باب الحج” فإن الفرض معناه في الحج ما يبطل بتركه الحج، أما الواجب فإن تركه لا يبطل الحج، ولكن يلزم تاركه ذبح فداء، كما سيأتي بيانه في الحج، وعلى هذا فليس عندهم واجبات للصلاة، بل أعمالها منها ما هو فرض؛ ومنها ما هو سنة. وقد تقدمت فرائض الصلاة، وسيأتي بيان سننها، أما الحنفية؛ والحنابلة فقد قالوا: إن للصلاة واجبات. فانظر مذهبيهما تحت الخط (الحنفية قالوا: واجبات الصلاة لا تبطل بتركها، ولكن المصلي إن تركها سهواً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن تركها عمداً؛ فإنه يجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعد كانت صلاته صحيحة مع الإثم. ودليل كونها واجبة عندهم مواظبة النبي صلى اللّه عليه وسلم على فعلها، وإليك بيان واجبات الصلاة عند الحنفية:

-1 قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض، ويجب تقديمها على قراءة السورة؛ فإن عكس سهواً سجد للسهو.

-2 ضم سورة إلى الفاتحة في جميع ركعات النفل والوتر، والأوليين من الفرض، ويكفي في أداء الواجب أقصر سورة أو ما يماثلها كثلاث آيات قصار؛ أو آية طويلة، والآيات القصار الثلاث كقوله تعالى: ثم نطر، ثم عبس ويسر، ثم أدبر واستكبر

وهي عشر كلمات. وثلاثون حرفاً من حروف الهجاء، مع حسبان الحرف المشدد بحرفين، فلو قرأ من الآية الطويلة هذا المقدار في كل ركعة أجزأه عن الواجب، فعلى هذا يكفي أن يقرأ من آية الكرسي قوله تعالى: اللّه لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم

.

-3 أن لا يزيد فيها عملاً من جنس أعمالها. كأن يزيد عدد السجدات عن الوارد، فلو فعل ذلك ألغى الزائد. وسجد للسهو إن كان ساهياً.

-4 الاطمئنان في الأركان الأصلية، كالركوع والسجود ونحوهما، والاطمئنان الواجب عندهم هو تسكين الأعضاء حتى يستوي كل عضو في مقره بقدر تسبيحة على الأقل، كما ستعرفه في مبحث “الاطمئنان”.

-5 القعود الأول في كل صلاة ولو نافلة.

-6 قراءة التشهد الذي رواه ابن مسعود، ويجب القيام إلى الركعة الثالثة عقب تمامه فوراً فلو زاد الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم سهواً سجد للسهو، وإن تعمد وجبت إعادة الصلاة، وإن كانت صحيحة.

-7 لفظ السلام مرتين في ختام الصلاة.