الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص168
إنما ذكرنا هذا تكملة للبحث؛ فإن تعذر على العامة فهمه فليتركوه، وليرجعوا إلى المحاريب المعروفة لهم؛ أو إلى غيرها من الأمارات الهامة.
4 شروط وجوب استقبال القبلة
يجب على كل مصل أن يستقبل القبلة بشرطين: (المالكية: زادوا شرطاً ثالثاً، وهو الذكر لمن وجب عليه استقبال جهة الكعبة. فلو صلى ناسياً إلى غير جهة القبلة صحت صلاته وأعاد الفرض في الوقت ندباً): أحدهما: القدرة، ثانيهما: الأمن، فمن عجز عن استقبالها لمرض ونحوه، ولم يجد من يوجهه (الحنفية قالوا: يسقط استقبال القبلة عن المريض العاجز عن استقبالها، وإن وجد من يوجهه إليها) إليها سقط عنه، ويصلي إلى الجهة التي يقدر عليها، وكذا من خاف من عدو آدمي أو غيره على نفسه أو ماله فإن قبلته هي التي يقدر على استقبالها. ولا تجب عليه الإعادة في الحالتين.
4 مبحث الصلاة في جوف الكعبة
عرفت مما تقدم أن الكعبة هي قبلة المسلمين التي لا تصح الصلاة الا إليها، وليس المراد تقديس جهة خاصة، بل المراد إنما هو عباد اللّه وحده بالكيفية التي يأمر بها، ولذا قال تعالى: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
، فالمقصود من الاتجاه إلى مكان خاص إنما هو الخضوع للّه تعالى بامتثال أمره، ومن شاء أن يعرف الحكمة في ذلك فإن من السهل عليه أن يدرك أن هذه الجهة هي التي بها الكعبة. وهذا المكان قد أمر اللّه تعالى الناس بأن يقصدوه، لما يترتب عليهمن المنافع العامة، وتهذيب النفوس بطاعة اللّه تعالى، وخشيته، وإحياء سكانه الذين لا زرع لهم ولا موارد لديهم، كما قال اللّه تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات
الآيات، فضلاً عن كون هذه البقعة مقدسة بظهور سيد الأنبياء والمرسلين الذي جاء للناس بما فيه منافعهم الأدبية والمادية. وقضى على عبادة الأوثان في تلك الجهات فأراد اللّه سبحانه وتعالى أن يعلن رضاءه عنه بتحويل الناس إلى الكعبة، بعد أن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وعلى كل حال، فالغرض الوحيد من العبادة في الإسلام إنما هو تمجيد اللّه وحده، وتقديسه من غير مشاركة مخلوق، مهما جل قدره، وعظمت منزلته، كما قال اللّه تعالى: وللّه المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه اللّه، إن اللّه واسع عليم
.