پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص165

وبعد، فلعلك قد عرفت أن أدلة القبلة عند الأئمة لا تخرج عن أمور: منها المحاريب الموجودة في المساجد على التفصيل الذي بيناه؛ ومنها خبر العدل عند عد موجود المحاريب؛ ومنها التحري والاجتهاد عند عدم وجود العدل، وقد عرفت أن بعضهم يقول: إن التحري والاجتهاد مقدم على خبر العدل، إلى آخر ما بيناه مفصلاً في كل مذهب.

وبقي ههنا أمور: أحدها: ما حكم من تحري، فلم يرجح جهة على أخرى؟: ثانيها: ما حكم من تحرى، وأراد تحريه إلى جهة، ثم تبين له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، وهو في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟ ثالثها: ما حكم من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، ثم صلى بدونه؟؛ رابعها: ما حكم من يقدر على الاجتهاد، وقلد مجتهداً آخر؟، أما الجواب عن الأول فهو أن الذي يجتهد، ولم يستطع أن يرجح جهة على أخرى، فقد قام بما في طاقته، وعلى هذا فإن صلاته تصح بالتوجه إلى أي جهة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: إذا اجتهد في معرفة القبلة، فلم يرجح جهة على أخرى، فإنه في هذه الحالة يصلي إلى أي جهة شاء: كما يقول الأئمة الثلاثة، الا أن تجب عليه إعادة تلك الصلاة خلافاً لهم)، وأما الجواب عن الثاني، فهو أنه إذا صلى شخص إلى جهة أداه إليها اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ أثناء الصلاة، بأن تيقن أو ظن أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إلى الجهة التي تيقن أو ظن أنها القبلة، وهو في صلاته يبني على ما صلاه قبل، فإذا صلى ركعة من الظهر مثلاً إلى جهة اعتقد أنها القبلة بعد التحري، ثم ظهر له بعد أداء هذه الركعة أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إليها، ويبني على الركعة التي صلاها، وهذا هو رأي الحنفية والحنابلة، وخالف فيه الشافعية، والمالكية (المالكية قالوا: إذا اجتهد شخص في معرفة القبلة، فأداه اجتهاده إلى جهة فصلى إليها ثم ظهر له بعد الشروع في الصلاة أنه مخطئ في اجتهاده، فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مبصراً، فإذا كان أعمى، فإنه لا يجب عليه قطع الصلاة، ولكن يجب عليه أن يتحول إلى القبلة، ويبني على ما صلاه أولاً، وإلا بطلت صلاته، كما هو في المذاهب الأخرى، فهم متفقون معهم في الأعمى، ومختلفون في المبصر؛ الشرط الثاني أن يكون الانحراف عن القبلة كثيراً، فإذا كان يسيراً، فإن الصلاة لا تبطل، سواء كان المصلي أعمى، أو بصيراً، ولكن يجب عليهما التحول إلى القبلة، وهما في الصلاة فإن لم يتحولا صحت الصلاة مع الإثم.