پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص164

وبهذا تعلم أن الشافعية خالفوا المالكية، والحنفية في المحاريب الموجودة في المساجد التي بناها الصحابة والتابعون، فإن المالكية جعلوا بعضها عمدة لا يجوز أن تستعمل وسيلة أخرى مع وجوده، والحنفية جعلوها كلها عمدة، أما الشافعية فقد قالوا: إن المحاريب كلها في مرتبة الوسائل الأخرى التي يمكن أن تعرف بها القبلة، كبيت الإبرة والقطب؛ ونحو ذلك واتفقوا مع الحنفية في الترتيب، فقالوا: إنه إذا جهل القبلة، فإنه يجب عليه أن يسأل، فإذا لم يجد من يسأله فإنه يجب عليه أن يجتهد، الا أن الشافعية زادوا عن الحنفية مرتبة أخرى، وهي تقليد المجتهد.

الحنابلة قالوا: إذا جهل الشخص جهة القبلة، فإن كان في بلدة بها محاريب بناها المسلمون – علامة تدل على القبلة – فإنه يجب عليه أن يتجه إليها متى علم أنها في مسجد عمله المسلمون، ولا يجوز له مخالفتها على أي حال، بل لا يجوز له الانحراف عنها. وإن وجد محراباً في بلدة خراب، كالجهات التي بها آثار قديمة؛ فإنه لا يجوز له أن يتبعه، الا إذا تحقق أن من آثار مسجد تهدم بناه المسلمون، فإن لم يجد محاريب لزمه السؤال عن القبلة، ولو بقرع الأبواب، والبحث عمن يدله، ولا يعتمد الا على العدل، سواء كان رجلاً أو امرأة أو عبداً، ثم إن المخبر إن كان عالماً بالقبلة يقيناً فإنه يجب العمل بإخباره. ولا يجوز له أن يجتهد، وإن كان يعرفها بطريق الظن، فإن كان عالماً، بأدلتها، فإنه يفترض تقليده، بشرط أن يكون الوقت ضيقاً لا يسع البحث؛ وإلا لزمه التعلم والعمل باجتهاده، فإذا كان في سفر، ولم يجد أحداً، فإن كان عالماً بأدلة القبلة، فإنه يفترض عليه أن يبحث عنها بالأدلة، ويجتهد بذلك في معرفتها، فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة صلى إليها؛ وصحت صلاته، وإذا ترك الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة، وصلى إلى غيرها. فإن صلاته لا تصح، حتى ولو تبين له أنه أصاب القبلة، ولا يخفى أن هذا من المعاني السامية، فإن الاجتهاد له قيمته في نظر المسلمين في كل شأن من الشؤون، فإذا لم يستطع الاجتهاد، كأن كان به رمد، أو لم يستطع أن يعرف جهة القبلة. فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها، ولا إعادة عليه.

فتحصل من هذا أن من جهل القبلة فيجب عليه أولاً أن يتبع المحاريب إن كانت موجودة، فإن لم يجدها، فإنه يجب عليه أن يسأل أحداً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله، فإنه يجب عليه أن يجتهد إن قدر على الاجتهاد، أو يقلد مجتهداً إن لم يقدر؛ فإن لم يجد فإنه يتحري بقدر إمكانه ويصلي، فإذا خالف مرتبة من هذه المراتب، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، وحتى لو أصاب القبلة، لأنه ترك ما هو مفترض عليه في هذه الحالة) ليسهل حفظها ومعرفتها بدون تشتت لا ضرورة إليه. على أننا سنذكر المتفق عليه والمختلف فيه أثناء التفصيل.