الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص145
وإذا ذكرت صفات اللّه تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: “تخلقوا بأخلاق اللّه فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق.
رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر.
هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن: منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة”.
ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر اللّه تعالى بها في كتابه العزيز، فقال: واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا
وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال اللّه عنها: إنما المؤمنون إخوة
فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم، عملاً بقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: “المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج اللّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللّه يوم القيامة”. ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، واللّه يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء.
4 تعريف الصلاة
معنى الصلاة في اللغة: الدعاء بخير، قال تعالى: وصلِّ عليهم