الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص138
وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم)، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط). أو يقدر على استعماله بعد عجزه (الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا.
الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة).
4 مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين
من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع للّه عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان اللّه تعالى ورحمته إن شاء اللّه.
أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب
(الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً.
المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: “لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور”، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها.