پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص106

الحنفية قالوا: إن الحيض يصح أن يعتبر حدثاً. كخروج الريح، ويصح أن يعتبر من باب النجاسة، كالبول، فعلى الاعتبار الأول يعرفونه بأنه صفة شرعية توصف بها المرأة بسبب نزول الدم، فتحرم وطأها، وتمنعها من الصلاة والصيام، وغير ذلك، مما سيأتي في “مبحث ما لا يحل للحائض فعله”، وعلى الاعتبار الثاني يعرفونه بأنه دم خرج من رحم امرأة غير حامل، وغير صغيرة أو كبيرة – آيسة من المحيض – لا بسبب ولادة، ولا بسبب مرض، فقولهم: دم، يشمل ما كان على لون من ألوان الدماء الستة، وهي: الحمرة؛ والكدرة؛ والخضرة؛ والتربية – نسبة للترب، بمعنى التراب – ؛ والصفرة، والسواد، فإذا نزل من رحم المرأة سائل متصف بلون من هذه الألوان، فإنه يكون دم حيض، بشرط أن يخرج إلى ظاهر القبل، والمراد به ما يظهر من فرج المرأة حال جلوسها، فلو أحست بالدم من الداخل، فوضعت قطنة أو نحوها منعت من وصوله إلى ظاهر قبلها، فإنها لا تكون حائضاً، فلو كانت صائمة، وأحست بدم الحيض من الداخل ثم وضعت قطنة ونحوها، منعت من وصوله إلى ظاهر القبل، فإن صيامها لا يفسد، ثم إذا وصل الدم إلى الظاهر كانت المرأة حائضاً، ولو لم يكن الدم سائلاً، لأن السيلان ليس شرطاً في الحيض عندهم، فلو رأت الدم وانقطع قبل عادتها، ثم عاد ثانياً، فإنها تعتبر حائضاً في الزمن الذي انقطع فيه، ولا يقال: إن الحيض هو الدم، فكيف تعتبر حائضاً مع انقطاعه، لأنهم يقولون: إنها في هذه الحالة تكون حائضاً حكماً، بمعنى أن الشارع حكم بحيضها، وإن لم ينزل الدم بالفعل، وقولهم: غير حامل، خرج به الدم الذي تراه المرأة وهي حامل، فإنه لا يقال له: دم حيض عند الحنفية؛ وقولهم: غير صغيرة، وغير كبيرة، خرج به الدم الذي تراه الصغيرة، وهي من لم تبلغ سبع سنين فإنه لا يسمى حيضاً، ومثله الدم الذي تراه الكبيرة، وهي التي زاد سنها على خمس وخمسين سنة، ويقال لها: آيسة من المحيض: فإنه لا يسمى حيضاً، وذلك هو المعتمد عندهم، ومن زادت على خمس وخمسين سنة إذا رأت دماً قوياً كالحيض، فإنه يعتبر حيضاً، والحاصل أن الدم الذي تراه الحامل أو الصغيرة، أو الآيسة من الحيض لا يقال له: حيض، وإنما يقال له: استحاضة، أما دم افتضاض البكارة، فأمر ظاهر، لأنه ليس من الرحم، فلا يقال له: حيض باتفاق، وبعضهم يقتصر في التعريف على قوله: دم خرج من رحم امرأة، ويعلل ذلك بأن دم الاستحاضة لا يخرج من الرحم الذي هو وعاء الولد، وإنما يقال له: خرج من الفرج، ولعل هذا التدقيق من اختصاص الأطباء أما الفقهاء فإنهم لا يحتاجون إليه وما داموا قد حددوا سن المرأة التي تعتبر حائضة من صغرها إلى شيخوختها، وحددوا مدة معينة لأكثر الحيض وأقله، فإن كل ما وراء ذلك تدقيق لا ينبغي الخوض فيه غلا للعالم بالطب الذي يمكنه أن يعرف عملياً الفرق بين دم الاستحاضة ودم الحيض، وهل هما يخرجان من محل واحد أو لا.

الشافعية قالوا: الحيض هو الدم الخارج من قبل المرأة السليمة من المرض الموجب لنزول الدم، إذا بلغ سنها تسع سنين، فأكثر، من غير سبب ولادة، فقولهم: الدم، المراد بالدم ما كان له لون من ألوان الدماء، وألوان الدماء خمسة: أحدها: السواد، وهو أقواها عندهم؛ ثانيها: الحمرة، وهي تلي السواد في القوة: ثالثها: الشقرة، وهي تلي الحمرة في القوة؛ ورابعها: الكدرة، وقد عرفت معناها فيما تقدم للمالكية، وهي تلي السواد؛ خامسها: الصفرة وهي تلي الكدرة، وقيل: بل الصفرة أقوى من الكدرة، وعلى كل فالأمر سهل، لأنها جميعها يقال لها: حيض، وقوله: الخارج من قبل المرأة، المراد به أقصى الرحم، فالدم عندهم يخرج من عرق في أقصى الرحم، سواء كانت المرأة حاملاً أو غير حامل، لأن الحامل تحيض عند الشافعية، كالمالكية، خلافاً للحنفية، والحنابلة، وتعتبر مدة الحيض بالنسبة للحامل كعادتها، وهي غير حامل، فالدم الذي يخرج من غير الرحم لا يسمى حيضاً طبعاً، سواء خرج من القبل، كالخارج بسبب إزالة البكارة، أو خرج من الدبر، أو من أي جزء من أجزاء البدن وقوله: السليمة من المرض الموجب لنزول الدم، خرج به الدم الذي ينزل من الرحم بسبب المرض، ويقال له: دم استحاضة. وقوله: إذا بلغ سنها تسع سنين، خرج به الدم الذي ينزل من الصغيرة، وهي ما دون تسع سنين، فإنه لا يسمى حيضاً، بل يسمى استحاضة، كما يسميه الحنفية. خلافاً للمالكية الذين يقولون: إن الدم الخارج من قبل الصغيرة لا يسمى استحاضة، وإنما يقال له: دم علة وفساد، ولاحد لنهاية مدة الحيض عند الشافعية فإنهم يقولون: إن المرأة يمكن أن تحيض ما دامت على قيد الحياة، نعم الغالب انقطاع الحيض بعد اثنتين وستين سنة، فإذا رأت المرأة الدم بعد هذا السن كانت حائضاً، وقد خالفوا في ذلك الأئمة الثلاثة: وقوله: من غير سبب الولادة، خرج به دم النفاس، وسيأتي بيانه بعد.