الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص92
الحنفية قالوا: خروج المني بسبب من الأسباب الموجبة للذة غير الجماع له حالتان: الحالة الأولى: أن يخرج إلى ظاهر الفرج على وجه الدفق والشهوة. فإذا عانق زوجته فأمنى بهذه الكيفية من غير إيلاج، فإن عليه الغسل، وستعلم أن الإيلاج يوجب الغسل، ولو لم ينزل، ويعتبر المني خارجاً بشهوة متى التذ عند انفصال المني من مقره، فإذا انفصل المني بلذة، ثم أمسكه، ولكنه نزل بعد ذلك بدون لذة، فإنه يوجب الغسل، ويشترط في وجوب الغسل أن ينفصل المني من مقره، ويخرج خارج الذكر؛ فإذا انفصل ولم يخرج، فإنه لا يوجب الغسل، الحالة الثانية: أن يخرج بعض المني بسبب الجماع أو غيره، ثم يغتسل من الجنابة قبل أن يبول أو يمضي عليه زمن يتحقق فيه من انقطاع المني، ثم بعد الاغتسال في هذه الحالة ينزل منه ما بقي من المني بلذة أو بغيرها. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعيد الغسل عند أبي حنيفة، ومحمد. ولا يعيده عند أبي يوسف. وإنما يجب عليه الغسل في هذه الحالة عند أبي حنيفة، ومحمد بشرط أن لا يبول قبل الاغتسال أو يمشي. أو ينتظر زمناً بعد خروج المني. فإن فعل شيئاً من هذه الأشياء ثم اغتسل ونزل منها المني بعد ذلك فإنها لا غسل عليه أما المني الخارج لا بسبب لذة كما إذا ضربه أحد على صلبه فأمنى أو كان مريضاً مرضاً يترتب عليه نزول المني بدون لذة فإنه لا غسل عليه.
وبهذا تعلم أن الحنفية مختلفون في ذلك الحكم مع الشافعية، والحنابلة، لأنهم يشترطون في وجوب الغسل خروج المني إلى ظاهر الفرج، والحنابلة يكتفون بانفصالة عن صلب الرجل، وترائب المرأة ويشترطون انفصاله عن مقره بلذة. وإن لم تستمر اللذة حتى يخرج. والشافعية يشترطون خروجه، وإن لم يكن بلذة، فلحنفية يوافقون الشافعية في ضرورة خروج المني إلى ظاهر القبل، ويخالفون الحنابلة في الاكتفاء بانفصاله عن مقره، وإن لم يخرج بالفعل، ويوافقون الحنابلة في أنه لا يوجب الغسل، إلا إذا كان بلذة، ويخالفون الشافعية في ذلك.
المالكية قالوا: إذا خرج المني بعد ذهاب لذة معتادة بلا جماع وجب الغسل، سواء اغتسل قبل خروجه أو لا؛ أما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع، كأن أولج ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذهاب اللذة، فإن كان قد اغتسل قبل الإنزال، فلا يجب عليه الغسل).
الأمر الثالث من موجبات الغسل: نزول المني حالة النوم ويعبر عنه بالاحتلام، فمن احتلم ثم استيقظ من نومه، فوجد بللاً في ثيابه، أو على بدنه، أو على ظاهر قبله، فإنه يجب عليه أن يغتسل إلا إذا تحقق أن ذلك البلل ليس منياً، أما إذا شك في كونه منياً، أو مذياً، أو غيرهما، فإنه يجب عليه الغسل، سواء تذكر أنه تلذذ في نومه بشيء من أسباب اللذة أو لم يتذكر (الشافعية قالوا: إذا شك بعد الانتباه من النوم في كون البلل منياً، أو مذياً لم يتحتم عليه الغسل، بل له أن يحمله على المني فيغتسل، وأن يحمله على المذي فيغسله ويتوضأ، وإذا تغير اجتهاده عمل بما يقتضيه اجتهاده الثاني، ولا يعد ما عمله باجتهاده الأول من صلاة ونحوها.
الحنابلة قالوا: إذا شك بعد النوم في كون البلل منياً أو مذياً، فإن كان قد سبق نومه سبب يوجب لذة كفكر، أو نظر، فلا يجب عليه الغسل، ويحمل ما رآه على المذي، وإن لم يسبق نومه سبب يوجب لذة، فيجب عليه الغسل).
الأمر الرابع من موجبات الغسل: دم الحيض، أو النفاس، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، فمن رأت دم الحيض، أو دم النفاس، فإنه يجب عليها أن تغتسل عند انقطاعه، ومن النفاس الموجب للغسل الولادة بلا دم (الحنابلة قالوا: الولادة بلا دم لا توجب الغسل). فلو فرض وكانت المرأة زهراء، لا ترى دماً، ثم ولدت، فإن الغسل يجب عليها بمجرد الولادة.