الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص88
هذا، ونقض الوضوء بالسلس ونحوه بالشروط المذكورة هو المشهور من مذهب المالكية، وعندهم قول آخر غير مشهور، ولكن فيه تخفيف للمرضى، وهو أن السلس لا ينقض الوضوء، وإن لم تتحقق هذه الشروط، إنما يستحب منه الوضوء إذ لازم بعض الزمن، أما إذا لازم كل الزمن فإنه لا يستحب منه الوضوء، وهذا القول يصح للمعذورين أن يقلدوه في حال المشقة والحرج، فهو وإن لم يكن مشهوراً، لكنه قد يناسب أحوال كثير من الناس، ولا مانع من أن يأخذوا به.
الشافعية قالوا: ما خرج على وجه السلس يجب على صاحبه أن يتحفظ منه بأن يحشو محل الخروج، ويعصبه: فإن فعل ثم توضأ. ثم خرج منه شيء فهو غير ضار في إباحة الصلاة وغيرها بذلك الوضوء. إنما يشترط لاستباحة العبادة بهذا الوضوء شروط. وهي: أولاً: أن يتقدم الاستنجاء على وضوئه؛ ثانياً؛ أن يوالي بين الاستنجاء والتحفظ السابق. وبين التحفظ والوضوء بمعنى أنه يستنجي أولاً. ثم بعد الاستنجاء مباشرة بدون فاصل ما يقوم بعصب المحل الذي ينزل منه البول أو الغائط أو نحوهما بخرقة نظيفة. أو نحو ذلك. مما لا يضره – كالرباط الذي يفعله الطبيب – ثم بعد ربطه يتوضأ على الفور. بحيث لا يفصل بين العصب والوضوء بفاصل من عمل أو إبطاء. كما لا يصح له أن يفصل بين الاستنجاء والعصب؛ ثالثاً: أن يوالي بين أفعال الوضوء بعضها مع بعض، بمعنى أن يغسل الوجه أولاً، ثم يبادر بغسل اليدين بدون فاصل ما؛ رابعاً: أن يوالي بين الوضوء والصلاة بحيث إذا فرغ من وضوئه، فإنه يلزمه أن يشرع في الصلاة مباشرة، بحيث لو باشر أي عمل آخر بطل وضوءه، على أن يغتفر له الفصل بالأعمال التي تتعلق بالصلاة، كالذهاب إلى المسجد، فإذا فعل هذه الأفعال، وتوضأ في داره، ثم ذهب إلى المسجد وصلى فيه، فإنه جائز، ولا يضره الفصل بالمشي إلى المسجد، ومثل ذلك ما إذا توضأ على الوجه المذكور، ثم النظر صلاة الجماعة أو جمعة، فإن له ذلك؛خامساً: أن يأتي بهذه الأعمال جميعها بعد دخول وقت الصلاة، فإن فعلها قبل دخول الوقت، فإنها تبطل.
هذا، وينبغي للمعذور أن لا يصلي بوضوئه الذي بينا كيفيته إلا فرضاً واحداً، فعليه أن يكرر هذه الأعمال لكل فريضة؛ أما النوافل، فإن له أن يصلي ما شاء منها بهذا الوضوء مع الفريضة التي يصح له أن يصليها به، سواء صلى النوافل قبل الفرض أو بعده.
وقد تقدم في “مباحث النية” أن المعذور يجب عليه أن ينوي بوضوئه استباحة الصلاة، بمعنى أن يقول في نفسه: نويت بوضوئي أن يبيح الشارع لي به الصلاة. وذلك لأنه في الواقع ليس وضوءاً حقيقياً، بل هو منقوض بما ينزل من بول ونحوه، ولكن سماحة الدين الإسلامي قد أباحت له أن يباشر الصلاة بهذا الوضوء، فلا يحرم من ثوابها، لأنها شريعة مبنية على الحرص التام على مصالح الناس، ومنافعهم في الدنيا والآخرة).