الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص78
والحاصل أن الحنفية يقولون إن إزالة ما على نفس المخرج سواء كان معتاداً كبول وغائط أو غير معتاد كمذي وودي ودم ونحو ذلك سنة مؤكدة سواء أزيل بالماء. أو بغيره؛ ويقال لهذا: استنجاء، أو استجمار؛ أو استطابة؛ أما ما زاد على نفس المخرج، فإن إزالته فرض، ولا يسمى استنجاء، بل هو من باب إزالة النجاسة، وهل يشترط في كون إزالته فرضاً بالماء، أن يزيد على قدر الدرهم، كما هو الشأن في حكم إزالة النجاسة، أو ههنا لا يشترط ذلك؟ خلاف بين محمد والصاحبين، فمحمد يقول: يجب غسله في هذه الحالة بالماء. وإن لم يبلغ الدرهم، والصاحبان يقولان: لا يجب الماء إلا إذا زاد المتجاوز عن الدرهم، ولا فرق في هذا الحكم بين الرجل، والمرأة إلا في الاستبراء؛ وهو – إخراج ما بقي في المخرج من بول، أو غائط، حتى غلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء – فإن الاستبراء بهذا المعنى لا يجب على المرأة، وإنما الذي يجب عليها، هو أنها تصبر زمناً يسيراً بعد فراغها من البول أو الغائط، ثم تستنجي، أو تستجمر، أو تجمع بين الأمرين.
هذا وإذا استجمر، وبقي أثر النجاسة، ثم عرقت مقعدته، وأصاب عرقها ثوبه، فإن الثوب بتنجس، وإن زاد على قدر الدرهم، بخلاف ما إذا نزل المستجمر في ماء قليل – كالمغطس الصغير فإنه ينجسه، وبهذا تعلم أن حقيقة الاستنجاء – وهي إزالة ما على نفس المخرج فقط – لا تكون فرضاً لأن إزالة ما زاد على ذلك يكون من باب إزالة النجاسة، على أن الاستنجاء قد يكون مستحباً فقط، وهو ما إذا بال ولم يتغوط، فإنه يستحب له أن يغسل المحل الذي نزل منه البول، إلا إذا انتشر البول وجاوز محله، فإنه يجب غسله من باب إزالة النجاسة، وقد يكون الاستنجاء بدعة، كما إذا استنجى من خروج ريح.
هذا، ويقدر الدرهم في النجاسة الجامدة بعشرين قيراطاً، وفي المائعة بملء مقر الكف. أما القيراط فهو ما كان زنة خمس شعيرات غير مقشورة، والمعروف في زماننا أن زنة القيراط يساوي – خروبة – وهي بذرة من بذور الخروب المتوسطة التي زنتها أربع قمحات من القمح البلدي، والدرهم يساوي ستة عشر خروبة؛ ولا يخفي أن الإنسان يستطيع أن يقدر ذلك تقديراً تقريبياً، بحيث يفعل الأحوط.