الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص76
وكذا لا ينتقض الوضوء بالشك (المالكية قالوا: ينتقض الوضوء بالشك في الحدث، أو سببه، كأنه يشك بعد تحقق الوضوء، هل خرج منه ريح، أو مس ذكره مثلاً أولا، أو شك بعد تحقق الناقض هل توضأ أو لا، أو شك بعد تحقق الناقض، والوضوء هل السابق الناقض، أو الوضوء، فكل ذلك ينقض الوضوء، لأن الذمة لا تبرأ إلا باليقين، والشاك لا يقين عنده) في الحدث، ولذلك صورتان: الصورة الأولى: أن يتوضأ بيقين، ثم يشك، هل أحدثت بعد ذلك الوضوء أو لا، وهذا الشك لا ينقض وضوءه، لأنه شك في حصول الحدث بعد الوضوء، والشك لا يزيل يقين الطهارة؛ الصورة الثانية: أن يتوضأ بيقين، ويحدث بيقين، ولكنه يشك، هل توضأ قبل الحدث، فيكون وضوءه قد انتقض بالحدث، أو توضأ بعد الحدث، فيكون وضوءه باقياً، وتحت هذه الصورة أمزان: الأول: أن يتذكر قبل ذلك الوضوء والحدث الذي شك فيهما، ولم يدر أيهما حصل أولاً، فإن تذكر أنه كان محدثاً قبل ذلك، اعتبر متوضئاً، لأنه ثبت أنه توضأ بعد الحدث الأول بيقين، وشك في أنه أحدث ثانياً أو لا، قد عرفت أن الشك عند الحنفية لا يضر، مثال ذلك أن يتوضأ بعد الظهر بيقين، ويحدث بيقين، ولكنه يشك في هل الحدث الناقض وقع أولاً، فيكون الوضوء باقياً، أو الوضوء حصل أولاً، فيكون الوضوء منتقضاً بالحدث، وفي هذه الحالة ينظر إلى ما كان عليه قبل الظهر، فإن تذكر أنه كان محدثاً قبل الظهر، فإنه يعتبر متطهراً بعده، وذلك لأنه تيقن الحدث الأول الواقع منه قبل الظهر، هل وقع قبل الوضوء، أو بعده؟ والشك لا يرفع الحدث فيكون متوضئاً؛ الأمر الثاني: أن يتذكر أنه كان متوضئاً قبل الظهر، ثم توضأ بعده وأحدث، وفي هذه الحالة تفصيل، وهو إن كان من عادته تجديد الوضوء (الحنابلة قالوا: يعمل بضد حالته الأولى، ولو كان من عادته تجديد الوضوء). فإنه يعتبر بعد الفجر محدثاً بيقين، لأنه كان متوضئاً قبله بيقين، ثم جدد الوضوء بعده، وأحدث، ولا يدري أيهما السابق فلا يعتبر شاكاً في نقض الوضوء، لأنه كان متوضئاً أولاً بيقين، ثم أحدث بيقين، ووضوءه الثاني يعتبر تجديداً للوضوء الأول الذي وقع بعد الحدث بيقين، فلا يكون تجديد الوضوء رفعاً للحدث المتيقن، أما إذا لم يكن من عادته الوضوء، فإنه يعتبر متطهراً، لأن طهارته الثانية ترفع الحدث المشكوك فيه.
هذا كله إذا شك في الوضوء بعد تمامه، أما إذا شك أثناء الوضوء في عضو، فإن عليه أن يعيد تطهير العضو الذي شك فيه.
ولا يخفى أن هذه الدقائق العلمية، ذكرناها لما عساها أن ينتفع بها طلبة العلم، أما العامة فليس من الضروري أن يعرفوا مثل هذه الدقائق إلا في الأحوال الضرورية، كما إذا كان شخص في جهة يقل فيها الماء أو كان يصعب عليه إعادة الوضوء لكبر، أو ضعف، أو برد، وكان في حالة لا يباح له فيها التيمم: أو نحو ذلك، فلم يقصر العلماء في بيان حكم من الأحكام، سواء كان ينتفع به الجمهر، أو بعضهم.
3 مباحث الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة
قد عرفت مما قدمناه لك في نواقض الوضوء، أن الوضوء ينتقض بالبول، والغائط، والمذي والودي باتفاق، ولا يكفي في خروج شيء من هذه مجرد الوضوء مع تلوث أحد المخرجين به، بل لا بد من تجفيف المحل الذي خرج منه ذلك الأذى وتنظيفه، فلهذا كان من الحسن أن نضع هذا المبحث عقب نواقض الوضوء، لأنه جزء منها، وأركان الاستنجاء أربعة: مستنج، وهو الشخص ومستنجى منه، وهو الخارج النجس الذي يلوث القبل أو الدبر؛ ومستنجى به، وهو الماء أو الحجر ومستنجى فيه، وهو القبل أو الدبر، فهذه هي الأركان التي لا يتحقق الاستنجاء إلا بتحققها.
وظاهر أن ههنا أمرين: أحدهما: الاستنجاء، ثانيهما: قضاء الحاجة، فأما الاستنجاء، فإنه يتعلق به أمران: الأول: تعريفه، الثاني: حكمه، وأما قضاء الحاجة من بول أو غائط، فإنه يتعلق به ثلاثة أمور: أحدها: حكمه، ثانيها: بيان الأماكن التي لا يجوز للإنسان أن يقضي فيها حاجته، ثالثها: بيان الأحوال التي ينهى عن قضاء الحاجة عندها، وإليك بيانها على هذا الترتيب.
4 تعريف الاستنجاء