الفقه علی المذاهب الاربعة-ج1-ص37
وقوله في التعريف: “حقيقة، أو صورة” معناه: أنه لا فرق بين أن يكون
المتوضئ مكلفاً، يجب عليه الوضوء حقيقة، أو يكون غير مكلف،
فيكون وضوءه صورياً فقط.
وقوله: “في نظر مستعمله” معناه: أن المتوضئ مثلاً إذا كان وضوءه
صحيحاً في مذهبه، فإن ماء وضوئه يكون مستعملاً، ولو لم يكن
الوضوء صحيحاً في مذهب الشافعي. فلو توضأ الحنفي بدون نية، كان
وضوءه صحيحاً في نظر الحنفي، غير صحيح في نظر الشافعي، ومع
ذلك يكون ماء ذلك الوضوء مستعملاً عند الشافعي.
وقوله: “أو إزالة خبث” معناه: أن الماء الذي تزال به النجاسة يكون
مستعملاً غير نجس، ولكن يشترط لطهارته شروط: إحداها: أن ينفصل
الماء ظاهراً بعد غسل الثوب المتنجس مثلاً، بحيث لم يتغير أحد
أوصافه بالخبث، بعد أن يطهر محل النجاسة من الثوب: ثانيها: أن لا
تزيد زنة الماء المنفصل عن المحل المتنجس، بعد إسقاط ما يتشربه
المغسول من الماء، وإسقاط ما يتحلل من الأوساخ في الماء عادة، مثال
ذلك أن يغسل الثوب المتنجس بملء – صفيحة، أو حلة – من ماء قيمته
عشرة أرطال، فيشرب الثوب منها عشرها – رطلاً – ويتحلل من أوساخ
الثوب ربع رطلٍ مثلاً، فإذا كانت زنة الماء المنفصل تسعة أرطال،
وربع، أو أقل، كان الماء طاهراً، وإلا كان نجساً. ثالثها: أن يمر الماء
على النجاسة وقت تطهيرها، فلو لم يمر على النجاسة، ولم يخالطها، كان
غير مستعمل.
هذا، وقد يقال: إنه لا حاجة إلى مثل هذا الكلام في هذا العصر الذي تكاد
تكون أنابيب المياه عامة في كل الجهات، والجواب: أن الشريعة
الإسلامية لم تختص بزمان، أو مكان، ومما لا ريب فيه أن هذه الأحكام
لازمة للمسافرين في الصحاري، والجهات التي يقل فيها الماء، فمن كان
في هذه الجهات من الشافعية، فإنه يحتاج لهذه الأحكام، بلا نزاع.
الحنابلة قالوا: تعريف المستعمل، هو الماء القليل الذي رفع به حدث، أو
أزيل به خبث، وانفصل غير متغير عن محل يطهر بغسله سبعاً،
فالمنفصل قبل الغسلة السابعة نجس، والمنفصل بعدها مستعمل.
فقوله: “الماء القليل” خرج به الكثير، وهو ما كان قدر قلتين، فأكثر؛
وقوله: “رفع به حدث، أو أزيل به خبث” خرج به الماء المستعمل في
طاهر، غير ما ذكر؛ وقوله: “وانفصل غير متغير عن محل يطهر بغسله
سبعاً” معناه أنه إذا غسل بالماء ثوباً نجساً، أو آنية، فإنها لا تطهر إلا
بالغسل سبع مرات فالمتنجس عند الحنابلة لا يطهر إلا بالغسل سبع
مرات.
وألحقوا بالمستعمل ما غسل به ميت، أو وضع يده فيه كلها شخص قائم
من نوم ينقض الوضوء، بشرط أن يكون النوم بالليل، وأن يكون