زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص665
وقالوا أيضا: السلاح أعم من المحدد وغيره، فيدخل فيه العصا.
ويسعون في الارض فسادا
كأنه بيان لتحقق معنى المحاربة، وتأكيد لثبوت حقيقته و ” فسادا ” يحتمل كونه علة ومصدرا أيضا بغير لفظه، لان السعي في الارض للمحاربة فساد فكأنه قيل: ويفسدون في الارض فسادا، وفيه أيضا إشارة إلى أن الفساد موجب لجواز القتل.
أن يقتلوا
خبر ” جزاء ” أي يقتلون قصاصا أو حدا على تقدير العفو من غير صلب إن اقتصروا على قتل النفس ” أو يصلبوا ” معه إن قتلوا وأخذوا المال، قيل الصلب بعد القتل، وقيل: القتل بالصلب، والاخير أظهر من الآية ” أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ” ويتركوا حتى يموتوا قيل اليد اليمنى والرجل اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا، فيها إجمال من جهة موضع القطع منهما، وأن المراد الرجل اليمنى واليد اليسرى أو العكس، والظاهر جواز ما يصدق، وعدم التعدي إلى مالا يتحقق دليله.
أو ينفوا من الارض
أي من بلد إلى بلد، بحيث لا يمكنوهم من القرار في بلد، ولا يطعمونهم إن اقتصروا على الاخافة، والآية محمولة على هذا التفصيل وقيل للتخيير يعني الامام مخير بين جميع المذكورات في كل محارب، وهو الظاهر من الآية، وأحكام المحارب مذكورة في الفروع بتفاصيلها، ولما كان الحكم إلى الامام عليه السلام ما كان تحقيقها من وظائفنا، ولهذا تركنا أكثر ما يتعلق به عليه السلام لان الغرض معرفة ما يجب علينا ونحن عاجزون منه فلا نتعدى إلى غيره ” ذلك لهم خزي في الدنيا ” وفضيحة ” ولهم في الآخرة عذاب عظيم ” لعظم ذنوبهم.
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم
معلوم أن الساقط بالتوبة إنما هو الحد الذي هو حق الله، لا حقوق الناس، مثل القتل قصاصا ويؤيده ” فاعلموا أن الله غفور رحيم ” فالقتل الواجب حدا يسقط، ويبقى الجايز قصاصا وقيد التوبة بقبل القدرة فلو قدروا عليهم ثم تابوا لم يسقط عنهم شئ من الحدود وحقوق الله في الدنيا، وأما الذنب في الآخرة فيسقط بالتوبة مطلقا في حقوقه تعالى.
كتاب الجنايات
وفيه آيات
الاولى: ” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل “(1) أي بسبب قتل قابيل هابيل قضينا على بني إسرائيل وبينا لهم حتى يعلموا ولم يقع منهم مثل ما وقع منه ” أنه من قتل نفسا بغير نفس ” أي بغير قتل نفس يوجب القصاص ” أو ” بغير ” فساد في الارض ” قيل كالشرك وقطع الطريق أو إشارة إلى أن أحدهما كاف لجواز القتل وأن في التحريم لابد من نفيهما، والظاهر من الفساد أعم فيدل على إباحة القتل للفساد، ويدل على جوازه لمطلق الفتنة أيضا قوله تعالى ” والفتنة أشد من القتل “(2) ولكن الفتنة والفساد مجملتان غير واضحتين نعم، الظاهر أن ما يوجب القتل حدا داخل فيه، مثل اللواط وزنى المحصن، ونحو ذلك ولو وجد القائل بقتل من يوقع الفتنة والفساد بين المسلمين، بأن يفعل ما يوجب قتلهم ظلما، مثل الذي يسعى في استحقاق قتل المؤمن، بأنه رافضي وسباب وليس كذلك، ويجعل فتنة كبيرة لكان حسنا والله أعلم.
فكأنما قتل الناس جميعا
من حيث إنه هتك حرمة الدماء وسن القتل، و جرئ الناس عليه، أو من حيث إن قتل الواحد والجميع سواء في استجلاب غضب الله تعالى والعذاب العظيم.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا
أي ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو عن قصاص، ومنع عن القتل، أو استنقاذ عن بعض أسبابه، مثل الحرق والغرق فكأنما فعل ذلك بجميع الناس، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها.
أو يكون إشارة إلى التودد ومحبة بعض إلى بعض كما اشير إليه في الاخبار بأن قتل واحد بمنزلة الباقي كله فيتألم له جميع ذلك، فان ضرب واحد ضرب الكل، وإذا حصل نفع وفرح لواحد
(1) المائدة: 32.
(2) البقرة: 191.