زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص586
ذلك ليس بمؤمن ومتق ولم يجعل له مخلصا ومخرجا من كرب الدنيا والآخرة ولم يرزقه من حيث لا يحتسب أي لم يخلف عليه ولم يعطه من حيث لا يخطر بباله، و غير ذلك مما قيل في تفسير هذه الآية من النفع الكثير جدا وبالجملة المتقي يجمع الله تعالى له خير الدنيا والآخرة ويخلصه من مضارهما، وكذا المتكل على الله حيث أشار به إليه بعده ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه ” وفيه إشعار بأن المتقي متكل فافهم.
وروي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال إني لاعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ” ومن يتق الله ” الآية، فما زال يقرأها ويعيدها وروي أن رجلا أسره المشركون فأتى أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه واله وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة، فقال له: اتق الله واصبر وأكثر من قول ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” ففعل الرجل، فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل قد غفل عنها العدو فاستاقها، ومثل هذه المبالغات لا ينبغي في المندوبات.
وأقيموا الشهادة لله
أمر للشهود باقامة الشهادة عند الاستشهاد والحاجة لله لا لغرض آخر مثل رضا المشهود له ومحبته وبغض المشهود عليه، وبالجملة لا بد من كونها لله كسائر الاعمال والافعال، لعل فيه إشارة إلى الترغيب على الصدق في الشهادة، فإنها لله فلا يفعل الكذب والايقاع على غير ما هي عليه، والظاهر أنه على تقدير الصدق لو كانت الشهادة مشوبة بأغراض اخر يحصل غرض المشهود له وتصح دون ما وعد الله على الشهادة للشاهد، بل يمكن العقاب فتأمل، ويفهم اعتبار القصد من مثل هذه الآية في العبادة لا النية المعتبرة عند الفقهاء فافهم.
وقريب منها الثانية: وهي قوله تعالى: ( واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف(1).
(1) البقرة: 231.