زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص487
قد اختلف في تفسير السفيه، والظاهر المتبادر منه غير الرشيد أعني المبذر أمواله ومن يصرفها فيما لا ينبغي ولا يهتم باصلاحها وبتميزها والتصرف فيها، و لهذا فسره في الكشاف وغيره به، وقد فسر في الكتب الفقهية أيضا به بحيث صار حقيقة في ذلك عندهم، وهو قريب من معناه اللغوي فيتعين حمله عليه لرجحانه على سائر ما قيل فيه، إذ لا دليل لغيره، ثم إن الظاهر من أكثر المفسرين رجحان أن المراد بأموالكم أموال السفهاء والخطاب لاوليائهم والعموم أظهر، والذي يدل على أن المراد أموالهم قوله تعالى:” ( وارزقوهم فيها) ” فان الضمير راجع إلى السفهاء، فلو لم يكن المراد أموالهم يلزم [ إيجاب ] إرزاق السفهاء على غيرهم مطلقا، أو على الاولياء من غير أموال السفهاء ولا قائل به، والتقدير ” إن كانوا ممن يجب نفقهم ” تكلف.
وأيضا يدل عليه قوله: ” وقولوا لهم قولا معروفا ” فان الظاهر أن الخطاب للاولياء، أو لمن بيده مال السفهاء، لانه فسر بأن يقولوا لهم قولا جميلا معروفا شرعا وعقلا، بأن يعدهم وعدا حسنا، مثل إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم أو إذا ربحتم اعطيتم أو أن يتلطفوا بهم ويقال لهم كلام مشعر بالرشد وينبهوهم على ذلك ويرشدوهم إليه بطريق حسن ونحو ذلك، فيكون إضافة الاموال إليهم للملابسة، مثل كونهم قوامين عليها، ومتصرفين فيها كالملاك وللاشارة إلى أنه لا بد من المبالغة في حفظها كحفظهم أموالهم، ولانه من جنس أموالهم التي بها قيام الكل كما في قوله تعالى ” ولا تقتلوا أنفسكم ” ” مما ملكت أيمانكم من فتياتكم “(1) فان المراد عدم قتل البعض بعضا، وجنس ما ملكت الايمان، وجنس الفتيات، لا نفس المخاطب، وما ملكت يمينه وفتياته فقط ولعل ارتكاب هذا المقدار في الاضافة التي يكفيها أدنى ملابسة أولى من جعل الاموال للمخاطبين لما عرفت فتأمل، ويدل عليه أيضا ما بعد الآية فانه في بيان أحكام الايتام والرشد، ومن بيده المال وهو مؤيد للعموم الذي قلناه، وقال القاضي: نهي للاولياء عن أن يؤتوا
(1) النساء: 29 و 25.