زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص457
عقلا ونقلا، وأداؤه إعطاؤه وإيصاله إلى صاحبه، بغير جحود يحتاج إلى الاثبات ولا ينقص منه شيئا، ويعطيه في محله من غير مطل وتسويف، وأراد بالامانة ما اؤتمن عليه فهو مصدر بمعنى المفعول ” وليتق الله ربه ” في الخيانة وخلاف أداء الامانه أو مطلقا في مخالفة الله وفيه مبالغة زائدة.
ولا تكتموا الشهادة
أيها الشهود عند الاداء وهو إذا ما دعوا، فالمراد هم أو مع من عليه الحق فتكون شهادته على نفسه، ففيه مسامحة ما، أو هو فقط فمسامحته اقل وألصق بما سبق ” ومن يكتمها فانه آثم قلبه ” فان مع اسمه أي الضمير و خبره أي ” آثم ” و ” قلبه ” فاعله أو أن قلبه مبتدأ وآثم خبره مقدم والجملة خبر إن خبر فانه موصول مع صلته مبتدا ولتضمنه معنى الشرط صح دخول الفاء في خبره، وهو للمبالغة في النهي عن ترك الشهادة، فانه ما أكتفى بالنهي بل أعاده مرة اخرى بأن من يفعل ذلك يأثم قلبه، وإسناد الاثم إلى القلب لان الكتمان فعله لان العزم على الكتمان إنما يقع بالقلب، لان إضافة الاثم إلى القلب أبلغ في الذم كما أن إضافة الايمان إلى القلب أبلغ في المدح كذا في مجمع البيان ” والله بما تعملون ” من السر والكتمان وإظهار الحق ” عليم ” فيجازي الكل بحسب علم يعلمه، ففيه ترغيب وترهيب.
فدلت على وجوب أداء الدين بغير نقص على ما مر، على الذي اؤتمن وترك أخذ الوثيقة منه، ولعل الغرض من ذكره بخصوصه، وشرط الامانة في ذلك زيادة المبالغة والاولوية وإلا فهو واجب على كل من عليه حق الغير عند الطلب و القدرة إجماعا، ومعلوم هنا أيضا أنه مقيد بهما لذلك ولانه كان محل الجحود والانكار، فأراد نفيه بخصوصه تأكيد ومبالغة، ويمكن استفادة أن مجازات المحسن بالاحسان حسن، ويمكن كونه سبب التخصيص فافهم، ويمكن كونه إشارة إلى وجوب أداء كل أمانة إلى صاحبها لا خصوصية له بدين ولا رهن، ولا بالراهن و المرتهن، فيشمل الرهن في الراهن والمرتهن وغيرهما والدين مطللقا، ويحتمل أن يكون المراد إن كان الرهن بيد الراهن اعتمادا من المرتهن عليه وعلى أمانته أو بالعكس، وعلى وجوب التقوى وعلى تحريم كتمان الشهادة.
الثاني : الضمان
ونقل فيه آيتان: الاولى: ولمن جاء به حمل بعير وأنابه زعيم(1).
الثانية: سلهم ايهم بذلك زعيم(2).
وأنت تعلم عدم دلالتهما على الضمان المشروع عند الفقهاء سيما الاخيرة فدليلهم الاجماع والاخبار، نعم في الاولى إشارة ما إلى مشروعية الجعل وضمانه قبل الشروع في العمل في شرع من قبلنا، قال البيضاوي: فيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل وفيه تأمل.
ونقل فيه ست آيات: الاولى: ” لا خير في كثير من نجويهم(3) ” أي إسرارهم وهو لا يتم إلا بين اثنين كالدعوى ” إلا من أمر بصدقة ” فان في نجواه خيرا ” أو معروف ” يعني به أبواب البر لاعتراف العقول بها، ولان أهل الخير يعرفونها ” أو إصلاح بين الناس ” أي تأليف بينهم بالمودة ورفع النزاع، بل إيصال النفع إلى الناس مطلقا إصلاح بينهم في الجملة وظاهره إصلاح ذات البين، ويحتمل العموم ولعل يؤيده ما ذكره في مجمع البيان وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله فرض التمحل، قال: فقلت: وما التمحل جعلت فداك قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله ” لا خير في كثير
(1) يوسف: 72.
(2) القلم: 40.
(3) النساء: 113.