زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص397
والعقود، والاتيان بجميع ما أمر به من العمل بالعدالة في القول والفعل، وإيفاء الكيل والوزن وغير ذلك وتحريم ضدها، وبسببه عطف على المناهي كما مر ” ذلكم ” أي جميع ما تقدم أو حصر الايفاء بعهد الله، فانه مشتمل على ما تقدم و زيادة ” وصاكم ” الله ” به ” بحفظه والعمل بمقتضاه ” لعلكم تذكرون ” رجاء تذكركم الله وعقابه وثوابه فتتعظون به، وفيه تأكيد بالغ.
وأن هذا صراطي مستقيما
(1) يحتمل ما تقدم، وقيل إشارة إلى ما ذكره في هذه السورة فانها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة ويؤيده ” فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ” الاديان المختلفة التابعة للهوى فان مقتضى الحجة واحد، و مقتضى الاهواء مختلف لاختلاف الطبايع ” فتفرق بكم ” فتفرقكم ” عن سبيله ” الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان ” ذلكم ” أي الاتباع أو الصراط المستقيم ” وصاكم به لعلكم تتقون ” الصلال والتفرق عن الحق.
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
(2) أي لا تميلوا إلى من وجد منه الظلم وقتا ما أدنى ميل، فان الركون هو الميل القليل كالتزيي بزيهم، وتعظيم ذكرهم واستدامته، فان فعلتم ” فتمسكم النار ” بركونكم إليهم، فاذا كان الميل اليسير إلى من صدر منه وقتا ما ما يسمى ظلما موجبا لمس النار، فما ظنكم بالميل الكثير إليهم، وبالظالم نفسه، وبالظلم.
قال القاضي: ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه وخطاب الرسول، ومن معه من المؤمنين بها، للتثبت على الاستقامة التي هي العدل فان الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط، فانه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه، وهذا الكلام مشعر بأنه فسر الظلم بمطلق الذنب كما في قوله ” ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه “(2) ولكن يمكن تقييده بالكبيرة فتأمل قال في الكشاف: النهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم
(1) أسرى: 155.
(2) هود: 115.