زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص385
عن الشح وتحريمه، وتحريم الاسراف والتبذير لا غير فافهم.
قال في الكشاف: هذا تمثيل لمنع الشحيح، وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي بين الاسراف والتقتير، ونعم ما قال، ويؤيده ما قبلها وما بعدها ” إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ” يوسع لمن يشاء ويرى المصلحة له في ذلك، فان الله هو العالم الحكيم لا يفعل إلا لغرض ومصلحة عائدة إلى عبيده، فالبسط والضيق إنما يكون في محله ومصلحته وتدبيره لهم ذلك لا غير، و هو ظاهر بناء على اصولنا.
ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله
(1) في الكشاف أي لا تقولن لاجل شئ تعزم عليه إني فاعل ذلك الشئ فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد الغد خاصة ” إلا أن يشاء الله ” متعلق بالنهي على وجهين أحدهما ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله، بأن يأذن لك فيه، والثاني ولا تقولنه إلا بمشيئة الله، و هو في موضع الحال يعني إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى قائلا إنشاء الله، وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إنشاء الله في معنى كلمة تأبيد كأنه قيل: ولا تقولنه أبدا، ونحوه قوله ” وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ” لان عودهم في ملتهم مما لن يشاء الله وقد ذكرنا مثله في قوله ” هم فيها خالدون إلا ما شاء ربك “.
ثم قال: وهذا نهي تأديب من الله لنبيه، حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذوي القرنين، فسألوه فقال: ائتوني غدا اخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه وكذبته قريش، فظاهر هذه تحريم الاخبار بفعله في المستقبل إلا أن يقارنه بقوله إن شاء الله على أحد الوجوه والقائل به غير معلوم، فيحتمل أن يكون من خصائصه عليه وعلى آله السلام أو منسوخا أو يكون النهي للكراهة والتأديب كما قال في الكشاف وهذا نهي تأديب فتأمل.
(1) جواب عن قوله ” أخرقتها لتغرق أهلها ” حاصله أنه قال الخضر على نبينا وعليه السلام إنما خرقت السفينة بأن أخذت لوحين من تحتها لان بين يديهم كان ملكا يأخذ كل سفينة غصبا فلو رآها الملك منخرقة تركها ويصلحها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها، قالوا ” وراء ” هنا بمعنى القدام، وهو لغة جاءت في الاشعار والامثال، إذ لو كان بمعنى الخلف فكانت السفينة تقدمت الملك فما كان يأخذها، وقيل يحتمل كون الملك في طريقهم عند الرجعة، وعلم الخضر ولم يعلم غيره وهو بعيد، ويحتمل أن يكون الملك يجيئ من خلفهم في البحر أيضا فيأخذ.
واعلم أنه يستفاد من هذا ومن إقامة الجدار وجوابه جواز التصرف في مال الغير، إذا علم أنه أولى من عدمه، ومنه إجارة دار الغائب إذا كانت أولى، وكذا إجارة بعض مماليكه، وبيع بعض أسبابه المشرف على التلف، ونحو ذلك وينبغي أن يباشره الحاكم، ومع تعذره لا يبعد لآحاد المؤمنين الموثقين ذلك، لهذه لآية ولانه إحسان مأمور به، والفاعل محسن: و ” ما على المحسنين من سبيل ” وكذا مال الاطفال والمجانين والسفهاء وفي الاطفال أخبار صحيحة بخصوصها، ويدل عليه أيضا ” ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ” وقد مر فتأمل، وتذكر.
واعلم أنذلك ليس بمخصوص بشرع موسى وخضر عليهما السلام وإن كان شرع من قبلنا ليس بحجة لنا، لان سوق الآية يدل على كون الحكم معقولا، وأن العقل يقتضي موافقا للشرع، فلا خصوصية له بمذهب دون مذهب فتأمل.
ثم إن في حكايتهما عن آخره دلالة على امور اخر من الاصول والفروع مثل جواز قتل شخص لدفع مفسدة ومصلحة آخر وقال في مجمع البيان وهو يدل على وجوب اللطف كما هو مذهبنا، وفيه تأمل.
ثم قال إنه يجوز لكل أحد ولكن هذا مع العلم، والعلم إنما يحصل للانبياء، فلا يجوز لغيرهم، وإن كان مخيرا بين إماتته بغير ألم القتل وبين أمره بالقتل، ولكن مع عوض ألمه فلا جور، وأنه يحتمل
(1) الكهف: 79.