زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص368
كان ينبغي أن يقول آمر غير المكرهة لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها ليعم فتأمل.
ثم قال ” غفور رحيم ” لهم أو لهن، أو لهم ولهن ” إن تابوا وأصلحوا ” والاولى لهن، أو لهن ولهم، أو لهم إن تابوا، قال لعل الاكراه كان دون ما اعتبر به الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف، أو ذهاب العضو من ضرب عنيف، أو غيره حتى يسلم من الاثم وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه.
فتكون آثمة، وهذا جواب عن إشكال عدم الذنب مع الاكراه فلا معنى لكون ” غفور رحيم ” بالنسبة إلى المكرهات، ولا بأس به، وإن كان خلاف الظاهر، فان المتبادر نفي الاكراه مطلقا والغفران عنه على تقدير.
قال القاضي: ” غفور رحيم ” لهن أو له إن تاب، والاول أوفق للظاهر، و لقراءة ابن مسعود ” من بعد إكراهن لهن غفور رحيم ” ولا يرد أن المكرهة غير آثمة، فلا حاجة إلى المغفرة لان الاكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات، ولهذا حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص.
فيه أنه يكفي أن المكرهة غير آثمة لعدم حسن إرجاع المغفرة إليها، فانه لا معنى للمغفرة مع عدم الذنب، ولا شك أنها ليست آثمة بالنص والاجماع، بل العقل وقد سلمه أيضا ولا يندفع بعدم المنافاة له بالذات لوجود الذنب في القاتل، و يمكن أن يقال غفور لهن باعتبار أن حصل لهن ميل في الاثناء بعد الاكراه فانهن لما كن كارهات يغفر الله الذنب الناشي بعده، ويشعر به ” من بعد إكراههن ” أو ” غفور لهن ” من سائر الذنوب بسبب إكراههن الزنا، أو يكون للانقطاع كما يقول المعصوم اللهم اغفر لي فتأمل، وأنه غفور رحيم حيث تجاوز عن عقاب المكره وجوز له المكره عليه كالمضطر في قوله تعالى: (“فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان الله غفور رحيم”) (1).
(1) النحل: 115.