زبدة البیان فی احکام القرآن-ج1-ص362
وجرى ذلك بناء على ظاهر حال بعض الجهال أنهم يظنون أنهم الرازقون بل يظهرون ذلك ويمنون على هؤلاء ويقولون لو لم نكن لما قدرتم على المعيشة ففيه تقريع لهم، ودليل على بطلان ذلك وعدم المنة في ذلك كله إلا لله، وإشارة إلى أنه لا معنى للمنة ولا لتوقع المكافاة والاحسان في مقابل ذلك فان كل ذلك رزق الله، وإليه أشار في بعض الاخبار عن بعضهم عليهم السلام قال لبعض أصحابه لما ذكر أنه يدخل عليه الضيفان والاخوان ويطعمهم: أن المنة لهم عليك قال كيف ذلك؟ وأنا اطعمهم من مالي، ولهم المنة علي؟ قال عليه السلام: نعم لانهم يأكلون رزق الله الذي رزقهم، ويحصلون لك الثواب والاجر(1) ويحتمل أن يكون ردا على المرزوقين أيضا فانهم قد يظنون أنهم يرزقونهم.
ثم اعلم أن في جعل ” لكم ” مفعولا به لجعلنا تأملا وأيضا ” من لستم ” داخل في ” لكم ” إلا أن يخصص بغير من يظن أنه يرزقه أحد، أو يظن أحد أنه يرزقه، أو يعمم فيكون الذكر بالخصوص للاشارة إلى رد الوهم المتقدم ولادخال الدواب فتأمل، فيحتمل أن يكون معطوفا على معايش، وفيه أيضا التأمل الثاني من غير جريان النكتة، إلا أن يكون بالنسبة إلى بعض من فيهم مثل الاولاد، ولا ينظر إلى حيثية الاستعانة بهم في المعيشة فتامل، وفيه تغليب ذوي العقول على غيرهم على تقدير اختصاص ” من ” بهم كما هو المشهور، فقول الزجاج: أجود الاقوال العطف على معايش، محل التأمل.
ويحتمل العطف على الضمير المجرور في ” لكم ” ولم يثبت امتناع العطف على من غير إعادة الجار وقد جوزه الفراء وأنشد شعرا في ذلك نقله في مجمع البيان وجوزه الكوفيون في حال السعة للاشعار المنقولة في الكشاف والرضى وقيل بذلك في قوله تعالى ” وكفر به والمسجد الحرام “(2) ” وتساءلون به والارحام “(3) بالجر في قراءة حمزة، ولا دليل على عدمه عقلا ولا نقلا حتى يضعف قراءة حمزة
(1) راجع الكافي كتاب الايمان والكفر باب إطعام المؤمن ج 2 ص 200.
(2) البقرة: 217.
(3) النساء: 2.